من لكعب بن الأشرف فإنه آذى الله ورسوله

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فأقدم لكم شرحًا وافيًا لهذا الحديث النبوي الشريف، معتمدًا على كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.
الحديث: عن جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله ﷺ: «من لكعب بن الأشرف، فإنه آذى الله ورسوله؟» فقال محمد بن مسلمة: أنا يا رسول الله! أتحب أن أقتله؟ قال: «نعم» فذهب فقتله.

---

1. شرح المفردات:

● من لكعب بن الأشرف: أي من يتولى أمره ويقوم بشأنه؟ سؤال استفهامي يحمل معنى الاستنفار والتحريض على التصدي له.
● آذى الله ورسوله: الإيذاء هنا يشمل الأذى المعنوي بالسب والشتم والتحريض، والأذى المادي بالتآمر على المسلمين.
● أتحب أن أقتله؟: استفسار من الصحابي للتأكد من إرادة النبي ﷺ، حرصًا على امتثال الأمر بدقة.

---

2. شرح الحديث:

السياق التاريخي: وقع هذا الحديث في المدينة المنورة بعد غزوة بدر في السنة الثانية للهجرة. وكان كعب بن الأشرف شاعرًا يهوديًا من بني النضير، ذا مكانة وشرف في قومه.
سبب الحديث: بعد انتصار المسلمين في بدر، حقد كعب بن الأشرف وأخذ يؤذي النبي ﷺ والمسلمين بكل وسيلة:
- هجا النبي ﷺ بشعره، وسبه وتناول عرضه.
- ذهب إلى قريش في مكة يحرضهم على المسلمين، ويبكي قتلاهم في بدر، ويحثهم على الثأر.
- أثار الفتنة في المدينة، وسعى إلى تفريق الصف المسلم.
أحداث القصة: لم يكن قتل كعب بن الأشرف غدرًا أو ظلمًا، بل كان عقوبة شرعية مستحقة للأسباب التالية:
- كان عمله بمثابة إعلان حرب وإضرار بالدولة الإسلامية الناشئة.
- استئذان الصحابة للنبي ﷺ يدل على أنه إجراء قضائي وليس فعلًا فرديًا.
- بعث النبي ﷺ مجموعة من الصحابة بقيادة محمد بن مسلمة، وتدبروا خطة للوصول إليه بعد أن تحصّن في حصنه.
الحكم الشرعي: هذا الفعل يدخل تحت باب "التعزير" و"دفع الصائل"، فكعب كان محاربًا معاديًا بالإثم والعدوان، ولم يكن معاهدًا أو ذميًا لأنه نقض العهد بسوء فعله. وقد أجمع العلماء على مشروعية قتله لما فيه من دفع ضرر عظيم عن الدين والمسلمين.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- وجوب نصرة النبي ﷺ: فالدفاع عن عرض النبي ﷺ ورد أذى الأعداء عنه من أعظم القربات.
2- الشجاعة والتضحية: استجابة محمد بن مسلمة السريعة نموذج للفداء والتضحية في سبيل الله.
3- حكمة القيادة: تصرف النبي ﷺ كان حكيمًا شرعيًا؛ فلم يقتله غدرًا، بل بعد إنذار ضمني بواسطة السؤال العلني.
4- محاربة الفتنة: يجب على الدولة الإسلامية التصدي لكل من يسعى إلى تفريق الصف أو إثارة الفتن.
5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: يجب على المسلمين تغيير المنكر بحسب الاستطاعة، وهذا من أعلى مراتبه.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

● مصادر الحديث: رواه البخاري في "صحيحه" في كتاب الجهاد والسير، ومسلم في كتاب الجهاد والسير.
● الرواة: جابر بن عبد الله هو الصحابي الجليل راوي الحديث، ومحمد بن مسلمة من الأنصار الأبطال.
● العبرة التشريعية: هذا الحديث أصل في مشروعية التصدي لأعداء الإسلام الذين يؤذون الله ورسوله بالسعي في الأرض فسادًا.

الخاتمة: هذا الحديث يظهر حرص الصحابة على نصرة دين الله، ويبين حكمة النبي ﷺ في إدارة الصراع مع أعداء الإسلام، وهو درس في الشجاعة والفداء والالتزام بأمر الله ورسوله.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.