حديث: ائذن لي أضرب عنقه
📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة
باب الحكم فيمن سبّ النبي ﷺ
صحيح: رواه أبو داود (٤٣٦٣) والنسائي (٤٠٧٧) وأحمد (٦١) وابن أبي عاصم في الديات (٣٠٢) كلهم من طريق يزيد بن زريع، عن يونس بن عبيد، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن مطرف، عن أبي برزة فذكره.

شرح الحديث:
بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد، فهذا حديث عظيم فيه درس بليغ في أدب الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوقيرهم له، وفيه أيضًا نموذج رفيع من خلافة الصديق رضي الله عنه وحكمته.
الحديث باختصار:
يخبر الصحابي الجليل أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه أنه كان جالسًا عند الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فغضب أبو بكر على رجل وشدد في تعنيفه. فظن أبو برزة أن هذا الرجل يستحق القتل، فاستأذن أبو بكر قائلًا: "تأذن لي يا خليفة رسول الله أضرب عنقه؟". فما كان من أبي بكر إلا أن سكن غضبه فورًا ودخل بيته، ثم أرسل في طلب أبي برزة وسأله: "هل كنت ستفعل ذلك لو أمرتك؟" فأجابه أبو برزة: "نعم". فأنكر أبو بكر عليه هذا الفعل قائلًا: "لا والله! ما كان ينبغي لأحد بعد محمد صلى الله عليه وسلم أن يُقتل بهذه الطريقة (أي بمجرد الأمر من الخليفة دون بينة أو حد شرعي)".
الشرح التفصيلي:
# 1. شرح المفردات:
● تغيظ: غضب وتغيرت حاله من شدة الغضب.
● فاشتد عليه: بالغ في توبيخه وتعنيفه.
● أضرب عنقه: أقطع رقبته، أي أقتله.
● أذهبت كلمتي غضبه: جعلت كلمتي (أي سؤالي عن قتله) تزيل غضبه فجأة.
● آنفًا: قبل قليل.
# 2. شرح الحديث:
- الموقف يدل على شدة حرص أبي بكر رضي الله عنه على العدل واتباع الشرع، حتى في لحظات الغضب.
- غضب أبي بكر كان لغرض تأديبي وليس انتقاميًا، بدليل أنه ما إن تذكر حكم الله حتى كظم غيظه.
- استئذان أبي برزة في قتل الرجل كان نابعًا من غيرته على الحق وحبه لأبي بكر، لكنه تصرف اندفاعي لم يراعِ فيه الإجراءات الشرعية للقصاص.
- ردة فعل أبي بكر كانت حكيمة؛ حيث لم يوبخه أمام الناس، بل انصرف ليهدأ ثم ناقشه على انفراد ليعلمه ويرشده.
- قول أبي بكر: "ما كانت لبشر بعد محمد صلى الله عليه وسلم" يعني: لا يحق لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يُقتل بمجرد أمر الحاكم أو غضبه، بل لابد من إقامة الحدود بالبينات والشرائع التي تركها لنا النبي صلى الله عليه وسلم. فهذا تمييز بين عصمة النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوحي إليه، وبين غيره من البشر الذين قد يخطئون في أحكامهم.
# 3. الدروس المستفادة:
● خطر الغضب: الغضب قد يدفع إلى التسرع في الأحكام، لذا يجب كبحه.
● الحكمة في القيادة: كحكمة أبي بكر في إدارة الموقف، وكظم الغيظ، والتعليم بلطف.
● العدل فوق الغضب: يجب أن يعلو حكم الشرع والعدل فوق أي عاطفة أو غضب شخصي.
● احترام القضاء الشرعي: لا يجوز إقامة الحدود أو القصاص إلا بالطرق الشرعية المعروفة (ببينة، أو إقرار، etc.).
● الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: يجب أن يكون بالحكمة والموعظة الحسنة، وليس بالعنف والاندفاع.
# 4. معلومات إضافية:
- هذا الحديث رواه الإمام أحمد في "مسنده" وغيره، وهو حديث صحيح.
- أبو بكر الصديق رضي الله عنه هو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلم الصحابة بالشرع بعد الأنبياء.
- الحديث يرد على من يتساهل في مسألة القتل أو إراقة الدماء بغير حق، ويؤكد على قداسة الحياة البشرية في الإسلام.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
تخريج الحديث
قال النسائي: هذا الحديث أحسن الحديث وأجودها».
وقال الدارقطني أيضا في العلل (١/ ٢٣٦ - ٢٣٧): رواه يونس بن عبيد فجوّد إسناده.
قال الأعظمي: فيه عبد الله بن مطرف وهو ابن الشخير صدوق إلا أنه توبع.
فقد رواه النسائي (٤٠٧١) وأحمد (٥٤) والحاكم (٤/ ٣٥٤) كلهم من طرق عن شعبة، عن توبة العنبري قال: سمعت أبا سوار القاضي يقول: عن أبي برزة الأسلمي، قال: أغلظ رجل لأبي بكر الصديق قال: فقال أبو برزة: ألا أضرب عنقه؟ فانتهره وقال: ما هي لأحد بعد رسول الله ﷺ.
وللحديث طرق أخرى ذكرها ابن أبي عاصم والدارقطني في العلل وغيرهما.
قال أبو داود: قال أحمد بن حنبل: أي لم يكن لأبي بكر أن يقتل رجلا إلا بإحدى الثلاث التي قالها رسول الله ﷺ: «كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفسه وكان للنبي أن يقتل (أي من سبّه).
وذكر هذا القول الخطابي أيضا في معالمه فقال: أخبرني الحسن بن يحيى، عن ابن المنذر قال: قال أحمد بن حنبل فذكر مثله. وهو في الأوسط لابن المنذر (١٣/ ٤٨٥).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «وقد استدل به على جواز قتل ساب النبي ﷺ جماعة من العلماء، منهم: أبو داود، وإسماعيل بن إسحاق القاضي، وأبو بكر بن عبد العزيز، والقاضي أبو يعلى وغيرهم من العلماء. وذلك لأن أبا برزة لما رأى الرجل قد شتم أبا بكر، وأغلظ له حتى تغيّظ أبو بكر استأذنه في أن يقتله بذلك، وأخبره أنه لو أمره لقتله، فقال أبو بكر: ليس لأحد بعد النبي ﷺ. وقال: فقد تضمن الحديث خِصيصتين لرسول الله ﷺ.
إحداهما: أنه يطاع في كل من أمر بقتله (أي بخلاف غيره فإنه لا يطاع في كل من أمر بقتله إلا بحقه) والثانية: أن له أن يقتل من شتمه وأغلظ له.
وهذا المعنى الثاني الذي كان له باق في حقه بعد موته، فكل من شتمه، أو أغلظ في حقه كان قتله جائزا بل بعد موته أوكد وأوكد، لأن حرمته بعد موته أكمل، والتساهل في عرضه بعد موته غير ممكن.
وهذا الحديث يُفيد أن سبّه في الجملة يبيح القتل، ويستدل بعمومه على قتل الكافر والمسلم. انتهى. انظر: الصارم المسلول علي شاتم الرسول ﷺ (ص ١٢٨ - ١٢٩).
وكذلك من شتم نبيا من أنبياء الله يقتل ولا يستتاب.
قال الأعظمي: قال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن حدّ من سب النبي ﷺ القتلُ. وممن قاله مالك والليث وأحمد وإسحاق وهو مذهب الشافعي.
وقال: وحكي عن النعمان (أبو حنيفة): «لا يُقتل، يعني الذي هم عليه من الشرك أعظم» الإجماع (ص ١٤٤) وانظر أيضا الأوسط له (١٣/ ٤٨٣).
لأن أبا حنيفة وأصحابه قالوا: لا ينتقض العهد بالسب، ولا يُقتل الذمي بذلك، لكن يعزر على إظهار ذلك كما يعزر على إظهار المنكرات.
ومن التعزير إذا رأى الإمام أن يَقْتل من سبّ النبي ﷺ قتله سياسة لا حدًّا. وأما المسلم إن سب النبي ﷺ فإنه يكفر بذلك، ويقتل بغير الخلاف وبه قال الأئمة الأربعة وغيرهم.
قال الخطابي: «لا أعلم أحدًّا من المسلمين اختلف في وجوب قتله».
وأما ما روي عن علي رضي الله عنه أن يهودية كانت تشتم النبي ﷺ وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول الله ﷺ دمها فهو منقطع.
رواه أبو داود (٤٣٦٢) عن عثمان بن أبي شيبة وعبد الله بن الجراح، عن جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، عن علي فذكره.
اختلف في سماع الشعبي من علي بن أبي طالب فأثبت سماعه البخاري في صحيحه (٦٨١٢) عن آدم، حدثنا شعبة، حدثنا سلمة بن كهيل، قال: سمعت الشعبي يحدث عن علي رضي الله عنه حين رجم المرأة يوم الجمعة وقال: قد رجمتها بسنة رسول الله ﷺ.
وقد سئل الدارقطني في العلل (٤/ ٩٧) فقال: «سمع منه حرفا ما سمع غير هذا» هو يشير إلى ما ذكره البخاري. وينفي عنه سماعه مطلقا. وكذلك قال أحمد: إن روايته عن علي ليست بشيء. المراسيل (٢٩٠).
وكذلك لا يصح ما روي عن عمير بن أمية، أنه كانت له أخت، وكان إذا خرج إلى النبي ﷺ آذتْه وشتمت النبي ﷺ، وكانت مشركة، فاشتمل لها يومًا على السيف، ثم أتاها فوضعه عليها فقتلها، فقام بنوها فصاحوا وقالوا: قد علمْنا من قتلها، فتُقْتل أمنا؟ وهؤلاء قوم لهم آباء وأمهات
مشركون، فلما خاف عمير أن يقتلوا غير قاتلها ذهب إلى النبي ﷺ في فأخبره، فقال: «أقتلت أختك؟» قال: نعم، قال: «ولم؟» قال: لأنها كانت تؤذيني فيك، فأرسل النبي ﷺ إلى بنيها فسألهم، فسموا غير قاتلها، فأخبرهم بي وأهدر دمها، فقالوا: سمعًا وطاعةً.
رواه ابن أبي عاصم في الديات (٣١٠) والطبراني في الكبير (١٧/ ٦٤) كلاهما من حديث يعقوب بن حميد، نا عبد الله بن يزيد، عن سعيد بن أبي أيوب، أن يزيد بن أبي حبيب حدثه أن أسلم بن يزيد وزيد بن إسحاق حدثاه عن عمير بن أمية فذكره.
وإسناده ضعيف من أجل يعقوب بن حميد بن كاسب المدني، وقد ينسب إلى جده، جمهور أهل العلم على تضعيفه.
قال العقيلي عن زكريا بن يحيى الحلواني: «رأيت أبا داود السجستاني قد جهل حديث يعقوب بن كاسب، وقال: مات على ظهور كتبه، فسألته عنه فقال: رأينا في مسنده أحاديث أنكرناها فطالبنا بالأصول فدافعنا، ثم أخرجها بعد فوجدنا الأحاديث في الأصول مغيرة بخط طري، كانت مراسيل فأسندها وزاد فيها».
وفي الإسناد أيضا أسلم بن يزيد، وكذلك زيد بن إسحاق وقيل: يزيد بن إسحاق وبعض هؤلاء من المجهولين. ولم يضبطهم الرواة. ولعله يعود ذلك إلى يعقوب بن حميد فإنه كثير الخطأ ويروي الغرائب والعجائب.
أحاديث لها شرح في هذا الكتاب
- 1 النفس بالنفس والثيب الزاني والمفارق لدينه
- 2 النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك للإسلام
- 3 رجل زنى بعد إحصان فإنه يرجم
- 4 لا يحل دم رجل إلا رجل ارتد أو ترك الإسلام...
- 5 أتي علي بزنادقة فأحرقهم
- 6 من بدل دينه فاقتلوه
- 7 لن نستعمل على عملنا من أراده
- 8 عنوان الحديث: دخل النبي مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر
- 9 كان عبد الله بن سعد يكتب للرسول فأزله الشيطان فلحق...
- 10 ما كان فيكم رجل رشيد يقوم فيقتله
- 11 هل للرجل الذي ارتد ثم ندم توبة؟
- 12 ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبون من أبوالها وألبانها
- 13 قطع النبي أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم
- 14 نهى النبي عن النُّبْت والمُثْلَة
- 15 كان رسول الله يحث على الصدقة وينهى عن المثلة
- 16 رسول الله ﷺ يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة
- 17 الأعمى يقتل أم ولده التي تشتم النبي ﷺ ويقول دمها...
- 18 من لكعب بن الأشرف فإنه آذى الله ورسوله
- 19 ائذن لي أضرب عنقه
- 20 من أسلم ثم ارتد فمات فألقت الأرض جثته
معلومات عن حديث: ائذن لي أضرب عنقه
📜 حديث: ائذن لي أضرب عنقه
نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: ائذن لي أضرب عنقه
تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: ائذن لي أضرب عنقه
تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: ائذن لي أضرب عنقه
شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.
قراءة القرآن الكريم
الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم
Wednesday, December 17, 2025
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب








