قطع النبي أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن ينفعنا بما نسمع ونقول.
هذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه، وسأقوم بشرحه وبيان ما فيه من الفوائد والعبر على النحو التالي:
### أولاً. نص الحديث
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن قومًا أغاروا على لقاح رسول الله ﷺ، فقطع النبي ﷺ أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم".
### ثانياً. شرح المفردات
● أغاروا: أي هجموا بغتةً وعدواناً.
● لقاح: جمع لقحة، وهي الناقة ذات اللبن، أي أغاروا على إبل النبي ﷺ التي كان يحلبها لأهل بيته.
● قطع أيديهم وأرجلهم: هذا حد الحرابة، وهو عقوبة مقررة في الشرع لمن يروعون الآمنين ويسعون في الأرض فساداً.
● سمل أعينهم: السمل هو الكي أو الجرح حتى تعمى العين، وكان هذا أسلوباً معروفاً في الجاهلية للإرهاب والزجر.
### ثالثاً. شرح الحديث
هذا الحديث العظيم يبين حكمة الشريعة في حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب والعدوان، وفيه:
1- جريمة السرقة بالإغارة: هؤلاء القوم لم يكونوا سارقين عاديين، بل هم محاربون أغاروا على إبل النبي ﷺ بقوة السلاح، مما يجعل جريمتهم أشد خطراً.
2- تطبيق حد الحرابة: عقوبتهم كانت تطبيقاً لقوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: 33]. وقد اختار النبي ﷺ لهم عقوبة القطع من خلاف (اليد اليمنى والرجل اليسرى).
3- السمل زيادة في الزجر: فعل النبي ﷺ السمل في أعينهم كان لشدة جرمهم، ولزجر غيرهم عن مثل فعلهم، وهذا من السياسة الشرعية التي يراعي فيها الإمام المصلحة العامة.
### رابعاً. الدروس المستفادة
1- عظمة الشريعة في حفظ الأمن: الشرع الحكيم جاء بحماية المجتمع من المعتدين، وتأمين الطرقات من قطاع الطرق.
2- تفاوت العقوبات بحسب الجرائم: ليس كل سارق يقطع، بل هناك شروط وضوابط، وهذه الجريمة كانت أشد لكونها سرقةً مصحوبةً بالإرهاب.
3- حكمة النبي ﷺ في القضاء: اختار النبي ﷺ عقوبة تتناسب مع جرمهم، فكان في فعله رحمة بالأمة، وحماية لها من شرورهم.
4- الرحمة لا تعني التساهل: بعض الناس يتوهم أن الرحمة تعني إلغاء العقوبات، ولكن رحمة الإسلام تتجلى في إنزال العقوبة بالمجرم لتردعه وتردع غيره، فتسلم المجتمع.

---

خامساً:

تنبيه مهم
هذا الحكم خاص بحالة الحرابة والإغارة المسلحة، وليس لكل سرقة، فحد السرقة العادية هو قطع اليد اليمنى فقط بشروطها المعروفة.
نسأل الله أن يحفظ بلاد المسلمين من كل شر، وأن يرزقنا الفقه في ديننا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.