عق عنه جزورًا فقالت معاذ الله ولكن ما قال رسول الله شاتان مكافأتان

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث النفيس الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه:

---

الحديث:

عن ابن أبي مُلَيْكة قال: نُفِس لعبد الرحمن بن أبي بكر غلامٌ، فقيل لعائشة: يا أم المؤمنين، عُقِّي عنه جَزورًا، فقالت: معاذ الله، ولكن ما قال رسول الله ﷺ: «شاتان مكافأتان».

---

1. شرح المفردات:

● نُفِسَ: أي وُلِدَ له مولود، وأصل النفاس هو الولادة.
● غلامٌ: أي ولد ذكر.
● عُقِّي عنه: العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود شكراً لله تعالى.
● جَزُورًا: الجَزُور هي البعير (الإبل)، وتطلق على الذكر والأنثى.
● معاذ الله: كلمة تستعمل للتنزيه والبراءة، أي أعتذر إلى الله من هذا القول أو أبرأ إلى الله منه.
● شاتان مكافأتان: الشاتان هما شاهان (عنزان)، والمكافأتان يعنيان المتقاربتان في السن والحجم والجودة، بحيث لا تكون إحداهما كبيرة والأخرى صغيرة، أو إحداهما سمينة والأخرى هزيلة.

---

2. شرح الحديث:

السياق والقصة:
وُلِد لعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق (أخو السيدة عائشة رضي الله عنها) مولود ذكر، فاقترح بعض الناس على السيدة عائشة أم المؤمنين أن يُعَقَّ عن هذا المولود ببعير (جَزور) كعقيقة، فردت عليهم بقولها: "معاذ الله" أي أبرأ إلى الله من هذا القول، ثم بينت لهم أن السنة التي علمتها من رسول الله ﷺ هي الذبح عن الغلام شاتان متقاربتان، وليس بعيراً.
الحكم الشرعي المستفاد:
● مشروعية العقيقة: الحديث دليل على مشروعية العقيقة عن المولود، وهي سنة مؤكدة عند جمهور العلماء.
● نصيب الذكر والأنثى في العقيقة: يذبح عن الغلام (الذكر) شاتان، وعن الجارية (الأنثى) شاة واحدة. وهذا ما ثبت في أحاديث أخرى صحيحة، مثل قوله ﷺ: «عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة» [رواه الترمذي وأحمد].
● رفض الإسراف والتبذير: رفض السيدة عائشة رضي الله عنها الذبح بعيراً (وهو أكثر ثمناً وكلفة) ليس لأن العقيقة ببعير حرام، ولكن لأنها تمسكت بالسنة النبوية التي حددت الشاتين للغلام، وحرصت على عدم مخالفة هدي النبي ﷺ. وفيه درس في عدم المغالاة والإسراف في الأمور التعبدية.
● التقيد بالسنة: موقف السيدة عائشة يدل على حرص الصحابة رضي الله عنهم على التمسك بما سمعوه من النبي ﷺ وعدم تجاوزه، حتى لو كان الأمر جائزاً في الأصل.

---

3. الدروس المستفادة:

1- الاقتداء برسول الله ﷺ: الواجب على المسلم أن يتبع سنة النبي ﷺ في جميع أموره، خاصة في العبادات والشعائر.
2- عدم المغالاة في الدين: الإسلام دين يسر وليس عسر، فلا ينبغي للمسلم أن يثقل على نفسه بما لم يشرعه الله ورسوله.
3- الحكمة من تقدير الشاتين للذكر: فيه إظهار للفرح والسرور بالمولود الذكر، مع الاعتدال وعدم الإسراف.
4- أهمية تعليم الجاهل: ردت السيدة عائشة رضي الله عنها على المقترح بتعليمه السنة، وهذا من نشر العلم والتناصح في الدين.
5- بركة التمسك بالسنة: أن يكون العمل موافقاً لهدي النبي ﷺ فيه بركة وخير، حتى لو كان المقترح الآخر مباحاً.

---

4. معلومات إضافية:

● حكم العقيقة: سنة مؤكدة عند الجمهور، وذهب بعض العلماء إلى وجوبها.
● وقت العقيقة: تذبح يوم السابع من الولادة، فإن فات ففي اليوم الرابع عشر أو الحادي والعشرين، وإلا ففي أي وقت.
● شروط العقيقة: يشترط فيها ما يشترط في الأضحية، من حيث السلامة من العيوب والسن المعتبر.
● توزيع العقيقة: يُستحب أن تطبخ ولا توزع نيئة، ويدعى عليها الأقارب والجيران والفقراء.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.