يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فأقدم لكم شرحًا وافيًا لهذا الحديث النبوي الشريف، معتمدًا على كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.

---

نص الحديث:

عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي ﷺ: «أن رسول الله ﷺ كان يؤتى بالصبيان فيبرِّك عليهم ويُحَنِّكهم فأتِي بصبي فبال عليه، فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله».
[رواه البخاري ومسلم]

---

١. شرح المفردات:

* يؤتى بالصبيان: يُحضَر إليه الأطفال حديثو الولادة أو الصغار.
* فيبرك عليهم: يدعو لهم بالبركة، بأن يمسح على رؤوسهم أو وجوههم ويدعو لهم بالخير والبركة.
* ويحنكهم: من "التحنيك"، وهو مضغ تمرة أو شيء حلو ثم وضعها في فم المولود وتحريكها في حنكه (سقف فمه)؛ وذلك ليكون أول ما يدخل جوفه شيء حلو مبارك، وتقويةً له.
* فأتبعه بوله: صب الماء على مكان البول مباشرة بعد انقطاعه، أي غسل مكان البول فورًا.

---

٢. شرح الحديث:

يصف هذا الحديث جانبًا من رحمة النبي ﷺ وعطفه على الأطفال، وسنته في استقبال المواليد الجدد.
كان من هديه ﷺ أن يُحضَر إليه الأطفال الصغار، فيدعو لهم بالبركة والخير، ويحنكهم كما هو مشروح. وفي إحدى هذه المرات، بينما كان النبي ﷺ يحمل طفلاً على حجره ويحنكه، بال الطفل على ثياب النبي ﷺ.
فلم يغضب ﷺ أو ينزعج أو يعنف من أحضر الطفل، بل تصرف بأدب وحكمة عظيمة. طلب ماءً ثم صبه على مكان البول على ثوبه، فاكتفى بذلك ولم يغسل الثوب غسلًا كاملاً كما يُفعل مع النجاسات الثقيلة.

---

٣. الدروس المستفادة والعبر:

1- الرحمة بالصغار والشفقة عليهم: الحديث دليل على شفقة النبي ﷺ العظيمة على الأطفال وحنوه عليهم، وحرصه على الدعاء لهم بالبركة منذ الصغر.
2- التيسير ورفع الحرج: فيه تيسير من الشريعة ورفع للحرج والمشقة. فبول الغلام الصغير الذي لم يأكل الطعام بعدُ أمرٌ يُعفى عنه ويُخفف في حكمه، خاصة إذا كان رضيعًا.
3- حكم بول الطفل الرضيع: ذهب جمهور العلماء (من الحنفية والمالكية والشافعية) إلى أن بول الغلام الذي لم يطعم الطعام غير النجس، أو أن نجاسته مخففة، فيكفي فيها النضح (أي صب الماء عليها) دون فرك أو غسل شديد. وهذا مستنبط من فعل النبي ﷺ حيث "أتبعه بوله ولم يغسله". أما بول من已 يأكل الطعام، فحكمه كحكم بول البالغ.
4- كمال خُلُق النبي ﷺ: يتجلى في هذا الموقف أدبه وحلمه وصبره ﷺ. فبدلاً من أن ينفعل أو يظهر انزعاجًا، تعامل مع الموقف بهدوء وحكمة، مما يعلمنا كيفية التعامل مع أخطاء الصغار التي تكون عن غير قصد.
5- استحباب التحنيك للمولود: يستحب تحنيك المولود بالتمر تطيبًا له وتبركًا، وإذا لم يتيسر التمر فبشيء حلو.
6- طلب البركة من أهل الصلاح: كان الصحابة يحرصون على إحضار أطفالهم للنبى ﷺ ليدعو لهم ويبرك عليهم، وهذا يدل على استحباب طلب البركة والدعاء من أهل الصلاح والتقوى للمواليد.

---

٤. معلومات إضافية مفيدة:

* الفرق بين الغسل والنضح: الغسل هو إسال الماء على النجاسة مع فركها حتى تزول، أما النضح فهو صب الماء عليها دون فرك.
* حكمة التخفيف: الحكمة في التخفيف في بول الرضيع أنه لا يأكل الطعام الذي يكون سببًا في قوة النجاسة، فبوله أشبه بالرطوبة.
* الهدي العملي: هذا الحديث يربي المسلمين على الرفق بالصغار وعدم المؤاخذة على ما يصدر منهم من أخطاء غير مقصودة، ويعلمهم التيسير في أمور الطهارة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.