ففرحوا به فرحا شديدا، لأنهم قيل لهم: إن اليهود قد سحرتكم فلا يولد لكم

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا حديث عظيم يروي قصة ميلاد أول مولود للمسلمين بعد الهجرة، وهو عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما. وسأشرحه لكم جزءًا جزءًا مستندًا إلى كبار شراح الحديث مثل النووي وابن حجر وغيرهم.

---

أولاً. شرح المفردات:

● مُتِمّ: أي كاملة مدة الحمل، وهي تسعة أشهر.
● قُبَاء: مكان قرب المدينة المنورة، وفيه مسجد قُباء أول مسجد بني في الإسلام.
● حَنَّكَهُ: أي وضع التمرة في فم الطفل وحكَّ حنكه (سقف فمه) بها؛ وكانت هذه عادة عند العرب ليكون أول ما يذوقه الطفل شيئًا حلوًا.
● تَفَلَ: نفث بريق قليل.
● بَرَّكَ عليه: دعا له بالبركة والخير.

---

ثانيًا. شرح الحديث:

تخبرنا السيدة أسماء رضي الله عنها أنها كانت حاملاً بعبد الله بن الزبير في مكة، وعندما اكتمل حملها خرجت مهاجرة إلى المدينة (وكانت الهجرة قد بدأت)، فنزلت في منطقة قباء، وهناك وضعت مولودها. ثم ذهبت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فوضعه النبي في حجره تكريمًا له ولأمه، ثم فعل النبي ثلاثة أمور:
1- مضغ تمرة ثم نَفَثَ من رِيقه الطاهر في فم الطفل: وهذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أن ريقَه مبارك، وقد دخل بركة النبي صلى الله عليه وسلم جوفَ الطفل مع أول لقمة.
2- تحنيكه بالتمرة: وهي سنة نبوية، حيث يُحكُّ حنك المولود بتمر ممضوغ؛ ليقوي جسمه، وليكون أول طعامه حلوًا مباركًا.
3- الدعاء له والتبريك: أي دعا له النبي بالبركة والخير والصلاح.
ثم يخبرنا الحديث أن المسلمين فرحوا بهذا المولود فرحًا شديدًا، لأن اليهود كانوا يتعمدون إيذاء المسلمين نفسيًا، فكانوا يقولون: "سحرناكم فلا يولد لكم ولد"، فكان مولد عبد الله بن الزبير رضي الله عنه دليلاً على بطلان سحرهم وكذبهم، ونصرًا للمسلمين.

---

ثالثًا. الدروس المستفادة:

1- فضل عبد الله بن الزبير وأمه: فقد كان من كبار الصحابة، وابن أخت أم المؤمنين عائشة، وابن الزبير حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2- سنة التحنيك: وهي مستحبة عند ولادة الطفل، وأن يكون بالتمر إن تيسر.
3- بركة دعاء الصالحين: وخاصة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يرد.
4- كذب أعداء الإسلام: وأن محاولاتهم لإحباط المسلمين ستبوء بالفشل بفضل الله.
5- الهجرة مع المشقة: حيث هاجرت السيدة أسماء وهي حامل في نهاية حملها، مما يدل على صبرها وتضحيتها في سبيل الله.

---

رابعًا. معلومات إضافية:

- عبد الله بن الزبير رضي الله عنه نشأ في بيئة piety والإيمان، وكان من العلماء المجتهدين، ومن الشجعان، حتى قيل: "لم يكن بعد النبي صلى الله عليه وسلم أشجع من عبد الله بن الزبير".
- توفي شهيدًا في مكة بعد حصار من جيش الحجاج بن يوسف الثقفي في خلافة عبد الملك بن مروان.
- هذا الحديث رواه البخاري ومسلم، وهو من الأحاديث الصحيحة.
أسأل الله أن ينفعنا بهذا الحديث، وأن يجعلنا من أهل الإتباع لا الابتداع. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.