حنك النبي ﷺ إبراهيم ابن أبي موسى بتمرة ودعا له بالبركة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
حياكم الله و بياكم أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يبارك فيك وفي سعيك لفهم سنة نبيك ﷺ. هذا حديث عظيم فيه هدي النبي ﷺ مع الأطفال وبركته بهم، وسأشرحه لك على النحو التالي:
### أولاً. ترجمة الراوي
هذا الحديث يرويه الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، واسمه عبد الله بن قيس، من كبار الصحابة وفضلائهم، وكان من قراء القرآن وحفاظ الحديث.

### ثانياً. شرح المفردات
● وُلِد لي غلامٌ: أي رُزقت بمولود ذكر.
● فأتيْتُ به النبي ﷺ: أحضرت المولود إلى رسول الله ﷺ.
● فحنَّكه بتمرة: "الحَنك" هو سقف الفم. والتَّحْنِيك: هو مضغ التمرة ثم وضعها في فم المولود وحك حنكه بها.
● ودعا له بالبركة: طلب له من الله الخير والزيادة والنماء.
● وَدَفَعَهُ إلَيَّ: أعاده إليَّ بعد أن فعل ما فعل.
● وكان أكبر ولد أبي موسى: أي هذا الولد (إبراهيم) هو البِكر أو الأكبر بين إخوته.

### ثالثاً. شرح الحديث
يخبرنا الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أنه رُزق بمولود ذكر، فسارع إلى النبي ﷺ يحمل طفله، طمعاً في بركته ﷺ ودعائه.
ففعل النبي ﷺ عدة أمور تدل على عنايته بالأطفال ورحمته بهم:
1- تسميته إبراهيم: اختار له النبي ﷺ اسم نبي الله إبراهيم عليه السلام، وهو اسمٌ جميل، وحثَّ ﷺ على تحسين الأسماء.
2- تحنيكه بتمرة: وهذا من هديه ﷺ مع المواليد. وكان التحنيك يتم بمضغ التمرة (أو شيء حلو إن لم يوجد تمر) من قبل شخص صالح، ثم وضعها في فم الطفل وتمريرها على حنكه (سقف فمه). وهذا الفعل له حِكَمٌ متعددة:
* حكمة طبية: تقوية عضلات الفم واللسان استعداداً للرضاعة، وتزويد الطفل بجرعة من السكريات الطبيعية التي تنشط دورته الدموية.
* حكمة روائية: طلب البركة من خلال فم شخص صالح (وهو النبي ﷺ في أعلى درجات الصلاح)، وتكون أول ما يدخل جوف الطفل هو شيء طيب مبارك.
3- الدعاء له بالبركة: وهذا هو لبُّ الزيارة وروحها. فدعوة النبي ﷺ مستجابة، فكان يدعو للصغار بالبركة في أخلاقهم، وأعمارهم، وأرزاقهم، وعلمهم، وطاعتهم لله.
ثم يختم أبو موسى رضي الله عنه بأن هذا الولد الذي حظي بهذه البركات أصبح أكبر أولاده، أي عاش وبلغ عمراً طويلاً، وقد يُستأنس بهذا على أثر بركة دعاء النبي ﷺ.

### رابعاً. الدروس المستفادة والفَوائد
1- استحباب التبريك بالمولود الجديد: من السنة أن يُحضر المولود إلى الصالحين والعلماء ليدعوا له، طلباً للبركة.
2- السنة في المولود: التسمية الحسنة، والتحنيك، والعقيقة (وهي ذبح شاة عنه).
3- فضل التحنيك بالتمر: وهو سنة نبوية، ويجوز أن يحنكه الأب أو الأم أو أي شخص صالح.
4- بركة الصالحين: يُستحب التبرك بدعاء الصالحين والأتقياء، وخاصة في المناسبات السعيدة.
5- الحرص على هدي النبي ﷺ: في كل صغيرة وكبيرة، حتى في كيفية الاستقبال للمواليد، ففيه الخير والبركة.
6- رحمة النبي ﷺ وعنايته بالصغار: حيث كان ﷺ يقبلهم ويداعبهم ويدعو لهم، مما يدل على رقة قلبه وشمول رسالته لكل الشرائح.

---

خامساً:

المصادر والمراجع
يُستفاد شرح هذا الحديث من كتب شروح الأحاديث المعتمدة عند أهل السنة والجماعة، مثل:
● فتح الباري لابن حجر العسقلاني.
● شرح صحيح مسلم للنووي.
● عمدة القاري للعيني.
● عون المعبود لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي.
أسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا، وأن يرزقنا الفقه في دينه، والاتباع لسنة نبيه ﷺ.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.