عمر رسول الله أربع عمر وما اعتمر في رجب

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث النافع الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه:

---

الحديث:

عن مجاهد قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة، وإذا ناس يصلون في المسجد صلاة الضحى، قال: فسألناه عن صلاتهم، فقال: بدعة. ثم قال له: كم اعتمر رسول الله ﷺ؟ قال: أربعًا، إحداهن في رجب. فكرهنا أن نرد عليه. قال: وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في الحجرة، فقال عروة: يا أماه، يا أم المؤمنين: ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت: ما يقول؟ قال: يقول: إن رسول الله ﷺ اعتمر أربع عمرات، إحداهن في رجب. قالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن، ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده، وما اعمر في رجب قط.

---

1. شرح المفردات:

● حجرة عائشة: الغرفة أو البيت الصغير الذي كانت تسكنه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بجوار المسجد النبوي.
● يصلون صلاة الضحى: صلاة نافلة بعد شروق الشمس وقبل الظهر.
● بدعة: في الشرع: ما أُحدث في الدين مما لا أصل له في الكتاب ولا السنة.
● اعتمر: أدى العمرة، وهي زيارة البيت الحرام للطواف والسعي.
● في رجب: في الشهر السابع من السنة الهجرية.
● استنان: صوت السواك أو تنظيف الأسنان، هنا يُقصد صوت عائشة وهي تستاك.
● شاهده: حاضرٌ معه، أي أن ابن عمر كان حاضرًا في كل عمرات النبي صلى الله عليه وسلم.

---

2. شرح الحديث:

يدور هذا الحديث حول موقفين مهمين:
الموقف الأول: إنكار ابن عمر رضي الله عنه لصلاة الضحى جماعة في المسجد:
- كان عبد الله بن عمر جالسًا عند حجرة عائشة، فرأى مجموعة من الناس يصلون صلاة الضحى في جماعة، فسأله مجاهد وعروة عن حكم هذه الصلاة، فأجاب بأنها "بدعة".
- مع أن صلاة الضحى سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن الصلاة جماعة لها في المسجد بشكل دائم ومنتظم لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء الراشدين، فاعتبر ابن عمر ذلك بدعة؛ لأنه إحداث في الدين بما لم يرد عن السلف.
الموقف الثاني: الخلاف في عدد عمرات النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيت إحداها:
- سأل عروة بن الزبير ابن عمر: كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأجاب: أربع عمرات، إحداهن في رجب.
- هنا تردد عروة ومجاهد في الرد على ابن عمر؛ لأنهما يعلمان علمًا يقينيًا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رجب.
- سمعا صوت عائشة رضي الله عنها (وهي في حجرتها) تستاك، فاستغلها عروة (وهو ابن أختها) ليسألها عن قول ابن عمر.
- أنكرت عائشة رضي الله عنها قول ابن عمر تأدبًا، حيث قالت: "يرحم الله أبا عبد الرحمن" تترحم عليه وتتلطف في الرد، ثم بينت أنه لم يعتمر في رجب قط، وأن ابن عمر كان حاضرًا مع النبي في جميع عمراته، فكيف يقول ذلك؟!

---

3. الدروس المستفادة:

1- الإنكار على المبتدعة في الدين: يُستفاد من إنكار ابن عمر على من صلى الضحى جماعة أن البدع يجب إنكارها، ولو كانت في أمور ظاهرها مشروع.
2- الاحترام بين العلماء والصالحين: تلاطفت عائشة في الرد على ابن عمر، فترحمت عليه ولم تتعصب لرأيها، مع أنها كانت أعلم بالحال من غيره.
3- الأخذ بالأعلم والأدق: عائشة رضي الله عنها كانت من أعلم الناس بسنن النبي صلى الله عليه وسلم خصوصًا في أموره الخاصة، لذا قدّم مجاهد وعروة قولها على قول غيره.
4- التثبت في نقل السنة: الخلاف بين ابن عمر وعائشة يدل على حرص الصحابة على الدقة في نقل سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وعدم التساهل فيها.
5- عدم العمرة في رجب خصوصًا: يؤخذ من كلام عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخص رجبًا بعمرة، وبهذا يعلم أن تخصيص رجب بالعمرة بدعة لا أصل لها.

---

4. معلومات إضافية:

- العمرات الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم هي أربع كما قال ابن عمر، لكن الصحيح أنها كلها كانت في غير رجب، كما بينت عائشة.
- هذا الحديث من الأدلة على أن البدعة قد تدخل في العبادات حتى لو كان أصلها مشروعًا، كصلاة الضحى، إذا أُديت على وجه لم يشرعه النبي صلى الله عليه وسلم.
- يُستفاد أيضًا أن الصحابة كانوا يتناقشون في المسائل العلمية بأدب واحترام، دون تجريح أو تنقص.

أسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا، وأن يرزقنا الاتباع واجتناب الابتداع، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.