أخذ الراية خالد بن الوليد ودافع القوم

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن ينفعنا بما نسمع ونقول.
هذا الحديث الذي ذكر يروي جانباً من أحداث معركة اليمامة، وهي من المعارك الكبرى في حروب الردة التي وقعت في خلافة الصديق أبي بكر رضي الله عنه، ضد مسيلمة الكذاب وأتباعه. والحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه في كتاب "الجهاد والسير".
أولاً: شرح المفردات:
● حدثني أبي الذي أرضعتي: أي الراوي عباد بن عبد الله بن الزبير يروي عن أبيه (عبد الله بن الزبير) الذي أرضعته أمه (أسماء بنت أبي بكر) – والمراد هنا التأكيد على صحة النسب وصدق الرواية.
● أخذ الراية: حمل اللواء أو العلم الذي يمثل قيادة الجيش.
● ثابت بن أقرم: صحابي جليل، من الأنصار، شهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من الشجعان.
● أخو بني العجلان: نسبة إلى قبيلته من الأنصار.
● اصطلحوا: اتفقوا واجمعوا على.
● دافع القوم: قاتلهم دفاعاً ومقاومة.
● حاشى بهم: استدار بهم وأدار المعركة بمهارة. وقيل: جمعهم وحشدهم للقتال.
● انحاز، وانحيز عنه: "انحاز" أي انسحب وتراجع إلى موقع أفضل. و"انحيز عنه" أي انسحبوا عنه وتركوه، أو حوصر وانفصل عن بقية الجيش.
ثانياً: شرح الحديث:
يصف هذا الحديث لحظة حرجة بعد استشهاد قائد الجيش الإسلامي الأول في معركة اليمامة، وهو القائد العام أبو حذيفة بن عتبة رضي الله عنه، ووقع اللواء على الأرض.
1- الأزمة القيادية: بعد سقوط اللواء واستشهاد القائد، حصل فراغ قيادي خطير في ساحة المعركة، مما يهدد بتمزق صفوف المسلمين وهزيمتهم.
2- بادرة الشجاعة والورع من ثابت بن أقرم: تقدم الصحابي الجليل ثابت بن أقرم رضي الله عنه وأخذ اللواء من الأرض، لكنه لم يبادر بالزعامة لنفسه. بل نادى في المسلمين نداءً حكيماً: "يا معشر المسلمين! اصطلحوا على رجل منكم". فهذا الموقف يجمع بين:
● الشجاعة: في حمله اللواء في خضم المعركة.
● الحكمة: في إدراكه أن القيادة يجب أن تكون بإجماع ورضا من الجيش وليس فرضاً.
● الورع والتواضع: عندما عرضوا عليه القيادة قال: "ما أنا بفاعل"، تواضعاً لله وحرصاً على أن يكون القائد هو الأصلح والأكفأ، وليس بالضرورة أول من يرفع اللواء.
3- الاختيار الجماعي: استجاب المسلمون لنداء العقل والوحدة، فاجتمع رأيهم على اختيار خالد بن الوليد رضي الله عنه، وهو "سيف الله المسلول"، وأحد أبرع القادة العسكريين في التاريخ.
4- براعة خالد بن الوليد القيادية: بمجرد أن تسلم خالد بن الوليد الراية، بدأ يتصرف كقائد محنك:
● "دافع القوم": قاتل هو بنفسه دفاعاً عن الجيش وصموداً في الميدان.
● "وحاشى بهم": أعاد تنظيم الصفوف، وجمع الشمل، واستدار بالجيش بشكل تكتيكي محكم ليعيد ترتيب أوراق المعركة.
● "ثم انحاز، وانحيز عنه": هذه من براعته العسكرية الفائقة، حيث قام بانسحاب تكتيكي منظم (انحاز) من موقع الخطر والمواجهة المباشرة التي كان المسلمون فيها في وضع صعب، وربما انسحب العدو خلفه (انحيز عنه) أو انسحبوا هم عنه. والهدف من هذا الانسحاب ليس الهروب، بل إعادة تجميع القوات والانتقال إلى موقع أكثر ملاءمة لاستئناف القتال بشكل أفضل، وهو ما حدث لاحقاً حيث انتصر المسلمون انتصاراً ساحقاً.
ثالثاً: الدروس المستفادة والعبر:
1- أهمية الوحدة واجتماع الكلمة:尤其在 أوقات الأزمات، فاجتماع المسلمين على رأي واحد وقيادة واحدة هو سبب قوتهم ونصرهم.
2- الحكمة والروية في اختيار القادة: لا يكون الاختيار بعاطفة أو انفعال، بل بمشورة ورضا الجماعة، مع النظر إلى الكفاءة والقدرة (كما في اختيار خالد) والورع (كما في موقف ثابت).
3- التواضع وعدم حب الظهور: موقف ثابت بن أقرم نموذج رائع في تقديم المصلحة العامة على المنصب والرئاسة.
4- الانسحاب التكتيكي ليس هزيمة: في الحرب والإدارة وحتى في الحياة، قد يكون التراجع المؤقت لإعادة الترتيب والتخطيط هو الطريق الوحيد للانتصار النهائي. الفطنة والحنكة مثل حنكة خالد بن الوليد في إدارة المعركة هي من أسباب النجاح.
5- الثقة في أهل الكفاءة: عندما وثق المسلمون بخالد بن الوليد وسلموه قيادتهم، كانت ثقة محقة أثمرت نصراً مبيناً.
رابعاً: معلومات إضافية:
● معركة اليمامة كانت من أشد المعارك في حروب الردة، واستشهد فيها عدد كبير من حفظة القرآن، مما دفع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى اقتراح جمع القرآن في مصحف واحد في عهد أبي بكر الصديق.
● خالد بن الوليد قاد بعدها الفتوحات في العراق والش