الحمد لله

حصن المسلم | أذكار النوم | الحمد لله

الْحَمْدُ لِلَّهِ (1).


(1) من قال ذلك عندما يأوي إلى فراشه كان خيراً له من خادم. البخاري مع الفتح، 7/ 71، برقم 3705، ومسلم، 4/ 2091، برقم 2726 .

شرح معنى الحمد لله

لفظ الحديث الذي ورد فيه:

366- عن عَلِيٍّ رضي الله عنه، أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ، شَكَتْ مَا تَلْقَى مِنْ أَثَرِ الرَّحَا، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَبْيٌ، فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ، فَوَجَدَتْ عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْنَا، وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْتُ لِأَقُومَ، فَقَالَ: «عَلَى مَكَانِكُمَا»، فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي، وَقَالَ: «أَلاَ أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَانِي، إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا تُكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، وَتُسَبِّحَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَتَحْمَدَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ»(1) .
367- ورواية الإمام أحمد عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا زَوَّجَهُ فَاطِمَةَ بَعَثَ مَعَهُ بِخَمِيلَةٍ، وَوِسَادَةٍ، مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا: لِيفٌ، وَرَحَيَيْنِ، وَسِقَاءٍ، وَجَرَّتَيْنِ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِفَاطِمَةَ ذَاتَ يَوْمٍ: وَاللَّهِ لَقَدْ سَنَوْتُ حَتَّى لَقَدِ اشْتَكَيْتُ صَدْرِي، قَالَ: وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ أَبَاكِ بِسَبْيٍ، فَاذْهَبِي فَاسْتَخْدِمِيهِ، فَقَالَتْ: وَأَنَا وَاللَّهِ قَدْ طَحَنْتُ حَتَّى مَجَلَتْ يَدَايَ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «مَا جَاءَ بِكِ أَيْ بُنَيَّةُ؟»، قَالَتْ: جِئْتُ لِأُسَلِّمَ عَلَيْكَ، وَاسْتَحْيَتْ أَنْ تَسْأَلَهُ وَرَجَعَتْ، فَقَالَ: مَا فَعَلْتِ ؟ قَالَتْ: اسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسْأَلَهُ، فَأَتَيْنَاهُ جَمِيعًا، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَقَدْ سَنَوْتُ حَتَّى اشْتَكَيْتُ صَدْرِي، وَقَالَتْ فَاطِمَةُ: قَدْ طَحَنْتُ حَتَّى مَجَلَتْ يَدَايَ، وَقَدْ جَاءَكَ اللَّهُ بِسَبْيٍ وَسَعَةٍ، فَأَخْدِمْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَهِ صلى الله عليه وسلم: «وَاللَّهِ لَا أُعْطِيكُمَا وَأَدَعُ أَهْلَ الصُّفَّةِ تَطْوَى بُطُونُهُمْ، لَا أَجِدُ مَا أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنِّي أَبِيعُهُمْ، وَأُنْفِقُ عَلَيْهِمْ أَثْمَانَهُمْ»، فَرَجَعَا، فَأَتَاهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ دَخَلَا فِي قَطِيفَتِهِمَا، إِذَا غَطَّتْ رُؤُوسَهُمَا تَكَشَّفَتْ أَقْدَامُهُمَا، وَإِذَا غَطَّيَا أَقْدَامَهُمَا تَكَشَّفَتْ رُءُوسُهُمَا، فَثَارَا، فَقَالَ: «مَكَانَكُمَا»، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمَا بِخَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَانِي؟ » قَالَا: بَلَى، فَقَالَ: «كَلِمَاتٌ عَلَّمَنِيهِنَّ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: تُسَبِّحَانِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا، وَتَحْمَدَانِ عَشْرًا، وَتُكَبِّرَانِ عَشْرًا، وَإِذَا أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ»، قَالَ: فَوَ اللَّهِ مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْكَوَّاءِ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ فَقَالَ: قَاتَلَكُمِ اللَّهُ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ، نَعَمْ، وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ(2) .
368- وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «خَصْلَتَانِ لاَ يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَهُمَا يَسِيرٌ، وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ: يُسَبِّحُ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ عَشْرًا، وَيُكَبِّرُ عَشْرًا، وَيَحْمَدُ عَشْرًا, فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْقِدُهَا بِيَدِهِ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ وَمِئَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ وَخَمْسُمِئَةٍ فِي الْمِيزَانِ، وَإِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ: سَبَّحَ، وَحَمِدَ، وَكَبَّرَ مِئَةً، فَتِلْكَ مِئَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ، فَأَيُّكُمْ يَعْمَلُ فِي الْيَوْمِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِئَةِ سَيِّئَةٍ؟ قَالُوا: وَكَيْفَ لاَ يُحْصِيهَا؟ قَالَ: يَأْتِي أَحَدَكُمُ الشَّيْطَانُ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ، فَيَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا، حَتَّى يَنْفَكَّ الْعَبْدُ لاَ يَعْقِلُ، وَيَأْتِيهِ وَهُوَ فِي مَضْجَعِهِ، فَلاَ يَزَالُ يُنَوِّمُهُ حَتَّى يَنَامَ»(3) .
369- ولفظ الإمام أحمد عن أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ، جَاءَتْ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَشْتَكِي إِلَيْهِ الْخِدْمَةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَقَدْ مَجِلَتْ يَدَايَ مِنَ الرَّحَى، أَطْحَنُ مَرَّةً، وَأَعْجِنُ مَرَّةً، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنْ يَرْزُقْكِ اللَّهُ شَيْئًا يَأْتِكِ، وَسَأَدُلُّكِ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ: إِذَا لَزِمْتِ مَضْجَعَكِ، فَسَبِّحِي اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبِّرِي ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَاحْمَدِي أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، فَذَلِكَ مِائَةٌ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكِ مِنَ الْخَادِمِ، وَإِذَا صَلَّيْتِ صَلَاةَ الصُّبْحِ، فَقُولِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،.
عَشْرَ مَرَّاتٍ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَعَشْرَ مَرَّاتٍ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ تُكْتَبُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، وَتَحُطُّ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَلَا يَحِلُّ لِذَنْبٍ كُسِبَ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَنْ يُدْرِكَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الشِّرْكُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَهُوَ حَرَسُكِ، مَا بَيْنَ أَنْ تَقُولِيهِ غُدْوَةً إِلَى أَنْ تَقُولِيهِ عَشِيَّةً ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ، وَمِنْ كُلِّ سُوءٍ
»(4) .

شرح مفردات الحديث:

1- قوله: «وسبحان اللَّه»: قال ابن الأثير : «التسبيح: التنزيه، والتقديس، والتبرئة من النقائص، ثم استعمل في مواضع تقرب منه اتساعاً...، فمعنى سبحان اللَّه: تنزيه اللَّه»(5) .
2- قوله: «الحمد للَّه»: قال النووي : «التَّحْمِيد: الثَّنَاء بِجَمِيلِ الْفِعَال، وَالتَّمْجِيد الثَّنَاء بِصِفَاتِ الْجَلَال، وَيُقَال: أَثْنَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلّه»(6) .
3- قوله: «اللَّه أكبر»: قال ابن الأثير : «اللّه أكبر» معناه اللّه الكْبير، وقال النحويون: معناه اللّه أكبر من كل شيء»(7) .
4- قوله: «ما تلقى من أثر الرحى»: أي: من المشقة والتعب، قال ابن منظور : «يَقُولُ: يَلْقَى مِنْهُ الْمَشَقَّةَ وَالشِّدَّةَ، كَمَا يَلْقَى مِنَ الْقِتَالِ»(8) ، وقال الراغب الأصفهاني : عن الأثر: «أَثَرُ الشيء: حصول ما يدلّ على وجوده، يقال: أثر وأثّر، والجمع: الآثار»(9) ، وقال القسطلاني : «تلقى في يدها من أثر الرحا... مما تطحن»(10) ، و«الرحى»: هي الأداة التي كانوا يطحنون بها الشعير وغيره من الحبوب؛ ليصبح دقيقًا صالحًا للخبز، وإنما كانت المشقة في إدارة الرحى، قال ابن منظور : «الرَّحَى: الحَجَر الْعَظِيمُ، أُنثى، والرَّحَى: مَعْرُوفَةٌ الَّتِي يُطْحَنُ بِهَا»(11) .
5- قوله: «السبي»: أي: رقيق، قال ابن الأثير : «السَّبْيُ: النَّهبُ، وأخذُ النَّاسِ عَبيداً وَإِمَاءً، والسَّبِيَّةُ: الْمَرْأَةُ المَنْهُوبة، فَعِيلة بِمَعْنَى مَفْعُولة، وجمعُها السَّبَايَا»(12) .
6- قوله: «خادمًا»: أي: جارية تخدمها، ويطلق الخادم على الذكر أيضًا.
7- قوله: «توافقه»: أي: لم تجده في بيته صلى الله عليه وسلم، ولعله كان في المسجد أو غيره.
8- قوله: «دخلنا مضاجعنا»: أي: تهيأنا للنوم في المكان المعد لذلك، وقد قيل: إن ذلك كان عبارة عن لحاف لهما، إذا غطيا رأسيهما تكشفت أقدامهما، والعكس(13) .
9- قوله: «ذهبنا لنقوم»: قال في الفتح الرباني: «فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا... إلخ.
أي: جاء النبي صلى الله عليه وسلم حال كوننا مضطجعين (فذهبت لأقوم) يعني: أنا وفاطمة، وفي رواية أبي داود: (فذهبنا لنقوم)
»(14) .
10- قوله: «على مكانكما»: أي: في الفراش، لا تتكلفا القيام أي اثبتا على ما أنتما عليه من الاضطجاع(14) .
11- قوله: «فجلس بيننا»: وإنما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم مبالغة منه في إيناسهما، وقد جاء في بعض طرق الحديث(15) : أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس عند رأس فاطمة، فأدخلت رأسها في اللفاع(16) حياءً من أبيها صلى الله عليه وسلم.
12- قوله: «ليلة صفين»: أي: ليلة الحرب التي كانت بين علي ومعاوية ب، وهي مكان معروف في الشام قريب من حدود العراق وتركيا، وقد أقام الفريقان عدة أشهر، ولم يقع القتال ليلًا إلا مرة واحدة، وقتل فيها الآلاف من الفريقين، وقد أشرف علي رضي الله عنه على النصر، ولكن أصحاب معاوية رضي الله عنه رفعوا المصاحف، ووقع التحكيم عام 37 هـ، ثم خرج الخوارج على علي رضي الله عنه عام 38 هـ، وقتلهم رضي الله عنه بالنهروان(17) .
13- قوله: «خميلة»: «كل ثوب له خمل من أي شيء كان، وقيل: الخميل الأسود من الثياب»(18) .
14- قوله: «وسادة»: الوِسادة - بكسر الواو فيهما-: المخدّة، والجمع وسائد، وُوسّد –بضمتين- ووسّدته الشيء توسيداً، فتوسده، إذا جعلته تحت رأسه(19) .
15- قوله: «ليف»: من خُوصٍ، أَو شَعْرٍ، أَو وَبَرٍ، أَو صُوف، أَو جُلُودِ الإِبل، أَو مِن أَيِّ شَيْءٍ كانَ(20) .
16- قوله: «سنوت»: السواني: جمع سانية، وهي الناقة التي يستقى عليها، ... ونسنو عليه أي: نستقي، ومنه حديث فاطمةلقد سنوت حتى اشتكيت صدري(21) .
17- قوله: «مجلت»: مجلت يده تمجُل مجْلاً، ومجِلت تمجَل مجَلا، إذا ثخن جلدها، وتعجّر، وظهر فيها ما يشبه البثر من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة(22) .
18- قوله: «أخدمنا»: أي: نسألك خادماً يقيها حر ما هي فيه، والخادم واحد الخدم، ويقع على الذكر والأنثى لإجرائه مجرى الأسماء غير المأخوذة من الأفعال، كحائض، وعاتق(23) .
19- قوله: «تطوى بطونهم»: يقال: طوى من الجوع يطوى طوىً، فهو طاوٍ: أي: خالي البطن، جائع لم يأكل، وطوى يطوي إذا تعمد ذلك(24) .
20- قوله: «قطيفتهما»: القطيفة: هي كِساء له خَمْل: أي: الذي يَعْمل لها، ويَهْتَمُّ بتَحْصيلها(25) .
21- قوله: «خمسون ومائة»:قال الطيبي : «فتلك خمسون ومائة: فذلكة الكلمات المذكورة دبر الصلوات، وجملة تعدادها في اليوم والليلة، وذلك لأن عدد الكلمات المحصيات خلف كل صلاة ثلاثون، وعدد الصلوات المفروضة في اليوم والليلة خمس»(26) .
22- قوله: «وألف وخمسمائة في الميزان»: لأن الحسنة بعشر أمثالها، وقوله: «وإذا أخذ مضجعه» إلى آخره بيان للخصلة الأخرى، قوله: فإذا أتى بهؤلاء الكلمات أدبار الصلوات، وعند الاضطجاع، يحصل له ألفا حسنة، وخمسمائة حسنة، فيعفى عنه بعدد كل حسنة سيئة، فأيكم يأتي في كل يوم وليلة ألفين وخمسمائة سيئة؟ يعني يصير مغفوراً له، ويمكن أن يقال: إن (الفاء) في (فأيكم) جواب شرط محذوف، وفي الاستفهام نوع إنكار، يعني إذا تقرر ما ذكرت، فأيكم يأتي بألفين وخمسمائة سيئة، حتى تكون مكفرة بها، فما لكم لا تأتون بها، وأي مانع يمنعكم؟ فينطبق على هذا إنكار قولهم: (كيف لا نحصيها)،إذ لا يصرفنا عن ذلك شيء؟ فأُجِيبُوا بقوله: «يأتي أحدكم الشيطان» يعني يوقع الشيطان في قلوبكم الوساوس والنسيان، حتى ينصرف أحدكم عن الصلاة، وينام، وقد نسي الذكر(27) ، وقال القاري : على قوله: «فذلك خمسون ومئة باللسان»: «أي: في يوم وليلة حاصلة من ضرب ثلاثين في خمسمئة، أي: مائة وخمسون حسنة (باللسان)، أي: بمقتضى نطقه في العدد «وألف وخمسمائة في الميزان»؛ لأن كل حسنة بعشر أمثالها على أقل مراتب المضاعفة الموعودة في الكتاب والسنة، يعني: إذا حافظ على الخصلتين، وحصل ألفان وخمسمائة حسنة في يوم وليلة، فيعفى عنه بعدد كل حسنة سيئة، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾(28) ، فأيكم يأتي بأكثر من هذا من السيئات في يومه وليلته حتى لا يصير معفوًا عنه، فما لكم لا تأتون بهما، ولا تحصونهما؟»(29) ، وقال السندي : «قوله: (فأيكم يعمل) إلخ، أي: لتساوي هذه الحسنات، ولا يبقى منها شيء، أي: بل السيئات في العادة أقل من هذا العدد، فتغلب عليها هذه الحسنات الحاصلة بهذا الذكر المبارك»(30) ، وقال المباركفوري : قال السندي «في حاشية ابن ماجة: أي: إنها تدفع هذا العدد من السيئات، وإن لم تكن له سيئات بهذا العدد، ترفع له بها درجات، وقلَّما يعمل الإنسان في اليوم والليلة هذا القدر من السيئات، فصاحب هذا الورد، مع حصول مغفرة السيئات، لا بد أن يحرز بهذا الورد فضيلة هذه الدرجات، «قالوا: وكيف لا نحصيها»، أي المذكورات، وفي رواية أحمد «قالوا: كيف من يعمل بهما قليل؟» والمعنى: أنهم قالوا مستفهمين استفهام تعجب، إذا كان هذا الثواب الجزيل لمن يعمل هذا العمل القليل، فكيف يقلّ العاملون به؟»(31) ، وقال المباركفوري أيضاً: «قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: كَيْفَ لَا نُحْصِي الْمَذْكُورَاتِ فِي الْخَصْلَتَيْنِ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ يَصْرِفُنَا فَهُوَ اسْتِبْعَادٌ لِإِهْمَالِهِمْ فِي الْإِحْصَاءِ، فَرُدَّ اسْتِبْعَادُهُمْ بِأَنَّ الشَّيْطَانَ يُوَسْوِسُ لَهُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يَغْفُلَ عَنِ الذِّكْرِ عَقيْبَهَا، وَيُنَوِّمَهُ عِنْدَ الِاضْطِجَاعِ كَذَلِكَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلهُ (قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَأْتِي أَحَدَكُمْ» مَفْعُولٌ مقدم، فيقول، أو يوسوس لَهُ، أَوْ يُلْقِي فِي خَاطِرِهِ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا، مِنَ الْأَشْغَالِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَالْأَحْوَالِ النَّفْسِيَّةِ الشَّهَوِيَّةِ، أَوْ مَا لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالصَّلَاةِ، وَلَوْ مِنَ الْأُمُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ... وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ يَغْلِبُهُ الشَّيْطَانُ عَنِ الْحُضُورِ الْمَطْلُوبِ الْمُؤَكَّدِ فِي صَلَاتِهِ، فَكَيْفَ لَا يَغْلِبُهُ، وَلَا يَمْنَعُهُ عَنِ الْأَذْكَارِ الْمَعْدُودَةِ مِنَ السُّنَنِ فِي حَالِ انْصِرَافِهِ عَنْ طَاعَتِهِ، وَيَأْتِيهِ أَيِ: الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَلَا يَزَالُ يُنَوِّمُهُ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ، أَيْ: يُلْقِي عَلَيْهِ النَّوْمَ حَتَّى يَنَامَ، أَيْ: بِدُونِ الذِّكْرِ»(32) .

ما يستفاد من الحديث:

1- بيان ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من خشونة العيش، وقلة الزاد؛ لأن همهم كان الآخرة، وأن اللَّه عز وجل قد حماهم شر الدنيا.
2- جاء بيان ما كانت عليه فاطمة من التعب في رواية ملخصها أنها كانت تعمل الآتي: أ – تجرّ بالرحى حتى أثّر ذلك في يدها.
ب – استقت بالقربة حتى أثّر ذلك في نحرها.
جـ - كانت تكنس البيت حتى تغيرت ثيابها.
د – كانت توقد القدر حتى دكنت - أي اسودّت - ثيابها من الدخان(33) .
3- مكانة عائشة رضي الله عنه، وعلو مقامها حيث خصّتها فاطمة بالسفارة بينها وبين أبيها، دون سائر زوجاته صلى الله عليه وسلم.
4- ما كان عليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من العطف، والشفقة، والتواضع على البنت، والصهر؛ حيث لم يزعجهما، وتركهما على حالة الاضطجاع، وبالغ حتى أدخل رجله الشريفة بينهما.
5- جواز دخول الرجل على ابنته وزوجها، وجلوسه في فراشها، ولكن ذلك تابع للمصلحة والمفسدة التي يترتب عليها ذلك الفعل.
6- شدة رعاية النبي صلى الله عليه وسلم لمصالح أمته؛ حيث آثر إعطاء أهل الصفة المال المترتب على بيع السبي، والذي أرادت فاطمة أن تأخذ منهم جارية، وذلك لأن أهل الصفة قد وقفوا أنفسهم لسماع العلم، وضبط السنة.
7- تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة، وعلي رضي الله عنه ما هو أفضل من الخادم، ألا وهو ذكر اللَّه تعالى؛ لأن الذكر يعطي الذاكر قوة في بدنه، وصحته.
8- يقول ابن القيم : «وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في مشيه، وكلامه، وإقدامه، وكتاباته، أمر عجيبًا؛ لأنه كان كثير الذكر، وكان يقول: من حافظ على هذه الكلمات لم يأخذه إعياء فيما يعانيه من شغل وغيره»(34) .
9- استدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على وجوب خدمة الزوجة لزوجها، مثل: الطبخ، والغسيل، ونحو ذلك، وإن كانت الزوجة من بنات الأشراف، فقيل هذا من باب البر، والإحسان، وحسن العشرة، وليس من باب الإلزام، وأرجع بعضهم ذلك إلى العرف، والعلم عند اللَّه تعالى(35) .

1 البخاري، برقم 3705
2 مسند أحمد، 2/ 202، برقم 838، وابن سعد، 8/ 25، وحسنه محققو المسند، 2/ 203
3 النسائي، كتاب السهو، عدد التسبيح بعد التسليم، برقم 1348، وابن ماجه، كتاب الصلاة، باب ما يقال بعد التسليم، برقم 926، والترمذي، كتاب الدعوات، باب منه حدثنا أحمد بن منيع، برقم 3410، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، ص 26، برقم 754
4 مسند أحمد، 44/ 175، برقم 26551، وصححه لغيره محققو المسند، 44/ 176
5 النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 330
6 شرح النووي على مسلم، 4/ 104
7 النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير، 4/ 52، مادة (كبر)
8 لسان العرب، 4/ 211، مادة (لقي)
9 المفردات في غريب القرآن، 1/ 12
10 شرح القسطلاني، 6/ 117
11 لسان العرب، 14/ 312، مادة (رحى)
12 النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 340، مادة (سبي)
13 ذكر ذلك الحافظ في الفتح من رواية السائب،11/ 138
14 الفتح الرباني شرح مسند أحمد، 63/ 10
15 شرح الحديث في فتح الباري، 11/ 120
16 اللفاع: ثوب يجلل به الجسد كله، كساءً كان أو غيره، وتلفع بالثوب إذا اشتمل به. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 260، مادة (لفع)
17 انظر تفصيل ذلك في كتب التاريخ كالبداية والنهاية لابن كثير
18 النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 80، مادة (خمل)
19 مختار الصحاح، ص 300، مادة (وسد)
20 تاج العروس، 9/ 171، مادة (ليف)
21 النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 414، مادة (سنت)
22 النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير، 4/ 299، مادة (مجل)، وانظر: الفتح الرباني شرح مسند أحمد، 10/ 54
23 النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/14، مادة (خدم)
24 النهاية في غريب الحديث والأثر، 3، 146، مادة (طوى)
25 النهاية في غريب الحديث والأثر، 4/ 83، مادة (قطف)
26 شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن، 6/ 1885
27 انظر: شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن، 6/ 1885
28 سورة هود، الآية: 114
29 مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، 8/ 279
30 حاشية السندي على النسائي، 3/ 74
31 مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، 8/ 146
32 تحفة الأحوذي، 9/ 253
33 سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب التسبيح عند النوم، برقم 5063، وضعفه الألباني، ولكن الشاهد أن العمل أرهقها، أما علي رضي الله عنه فقد كان يشتكي من صدره مما يلاقيه من مشقة جلب الماء من البئر
34 الوابل الصيب، 131
35 والذي جاء الدليل فيه هو قوله صلى الله عليه وسلم: «ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه» مسلم، برقم 1218، وكذلك ورد الدليل على أنها ملزمة بالاستجابة إلى طلبه إذا دعاها للفراش؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح» البخاري، برقم 5193، أما ما ورد من فعل فاطمة ، وكذلك فعل أسماء بنت أبي بكر مع الزبير بن العوام ب من أنها كانت تعلف فرسه، وتنقل النوى، وتستقي الماء، وغير ذلك. وانظر: المغني، لابن قدامة، 7/21.

قم بقراءة المزيد من الأذكار والأدعية




قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Saturday, August 9, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب