تفتح أبواب السماء نصف الليل فينادي مناد هل من داع فيستجاب له

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث عظيم يُبيِّن فضل الله تعالى على عباده، ويُظهِر سعة رحمته وإحسانه، وسأشرحه لك جزءًا جزءًا بإذن الله.
### أولاً. تخريج الحديث ومصدره
هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، والإمام ابن ماجه في سننه، والإمام الطبراني في معجمه، وغيرهم. وحسنه عدد من العلماء كالألباني وغيره.

### ثانيًا. شرح مفردات الحديث
* تفتح أبواب السماء: أي تُفتح أبواب السماء لاستقبال الدعاء وصعوده، دلالة على القَبول والإجابة.
* نصف الليل: الوقت الذي يكون فيه الليل منقسماً إلى نصفين، وهو وقت السَّحَر غالباً، وقت النزول الإلهي وفضل الدعاء.
* ينادي منادٍ: هذا المنادي هو ملك من ملائكة الله تعالى الموكلين بهذا الشأن.
* هل من داعٍ فيستجاب له: نداء عام لكل من يرفع يديه بالدعاء إلى الله.
* هل من سائل فيعطى: نداء لكل من يسأل الله خير الدنيا والآخرة.
* هل من مكروب فيفرج عنه: نداء خاص لكل من أصابه هم أو غم أو ضيق.
* زانية تسعى بفرجها: المرأة التي تتاجر بعرضها وتُقدم على الفاحشة باختيارها واستمرار.
* عشَّار: هو الجابي الذي يأخذ الزكاة أو الضرائب (الخراج) من الناس، ولكنه يتعدى ويظلمهم بطلب ما زاد على الحق الواجب، ويشمل كل ظالم يتعدى على أموال الناس ويبتزها بغير حق.

### ثالثًا. شرح معنى الحديث
يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن وقت عظيم من أوقات إجابة الدعاء، وهو وقت نصف الليل، حيث تُفتح أبواب السماء، وينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا، كما في الأحاديث الصحيحة الأخرى، ويأمر ملكًا أن ينادي نداءً يسمعه من في السماوات والأرض من أهل الإيمان:
1- النداء الأول: "هل من داع فيستجاب له"
هذا دعوة عامة لكل من يريد أن يتوجه إلى ربه بالدعاء والمناجاة، ويعد الله تعالى بإجابة دعائه.
2- النداء الثاني: "هل من سائل فيعطى"
تشجيع للمسلم أن يسأل ربه من فضله، فلا يبخل على نفسه بخيري الدنيا والآخرة، والله هو الكريم الوهاب.
3- النداء الثالث: "هل من مكروب فيفرج عنه"
هذا بشرى عظيمة وفرج لكل من يعاني من همٍّ أو مرض أو ضيق معيشة أو أي نوع من الكرب، أن يلجأ إلى الله في هذا الوقت ليفرج كربه.
ويؤكد النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الإجابة شاملة لكل مسلم يدعو في هذا الوقت، إلا أن هناك استثناءين يحرم صاحبهما من هذه الرحمة الواسعة بسبب جريمته وظلمه:
* الزانية التي تسعى بفرجها: أي التي تذهب بنفسها إلى الفاحشة وتتخذها حرفة، غير نادمة ولا تائبة. فهي قد حَصَّنت نفسها ضد رحمة الله بمعصيتها المستمرة.
* العشَّار: وهو الظالم الذي يعتدي على أموال الناس، ويأخذها بغير حق، مستغلاً سلطته. هذا الظلم يحجب بينه وبين إجابة الدعاء.

### رابعًا. الدروس والعبر المستفادة
1- بيان سعة رحمة الله تعالى: فالله يفتح أبواب الإجابة في أوقات معينة ويُنادي عباده ليقبلوا عليه، وهذا من كرمه وجوده.
2- الحث على اغتنام أوقات الإجابة: خاصة آخر الليل (وقت السحر)، فهو وقت مبارك ينبغي للمسلم أن يحرص على قيامه والدعاء فيه.
3- التيسير على المكروبين: فيه تثبيت وتسلية لكل من أصابه بلاء، أن له موعدًا مع الفرج إذا لَجَأ إلى ربه في الوقت المحدد.
4- تحريم الظلم والبغي: الحديث يُظهر خطورة الظلم، سواء كان ظلمًا للبدن بالزنا، أو ظلمًا للمال بالبغي والعدوان، فهو يحرم صاحبه من خير عظيم.
5- أن الذنوب تحجب الدعاء: الاستثناء في الحديث دليل على أن المعاصي – خاصة الكبائر المستمر عليها – تكون حاجبًا بين العبد وبين استجابة دعائه.
6- الباب مفتوح للتوبة: إذا امتنعت الإجابة لمعصية، فإن التوبة النصوح تمحو الذنب وترد على العبد أهليته لقبول الدعاء ونزول الرحمة.

### خامسًا. معلومات إضافية مفيدة
* هذا الوقت (نصف الليل) يقابل وقت نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، كما في الحديث الصحيح: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له».
* يجمع المسلم بين هذا الفضل العظيم وبين فضل صلاة الليل (قيام الليل)، فيصلي ثم يدعو.
* على المسلم أن يحذر من اليأس، فإذا دعا في مثل هذا الوقت ولم يَرَ أثر الإجابة مباشرة، فليعلم أن الله إما أن يستجيب له، أو يدَّخر له ما هو خير منه، أو يدفع عنه من السوء ما هو أعظم.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الداعين المستجاب لهم، والمغفور لهم، وأن