فضل يوم الجمعة وخصائصه في الإسلام

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإن حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا من الأحاديث العظيمة التي تبين فضل يوم الجمعة وخصوصيته في الإسلام، وسأشرحه لكم جزءًا جزءًا معتمدًا على كلام أهل العلم المعتبرين.

---

أولاً. شرح المفردات:

● الطور: جبل معروف، وقيل: هو الجبل الذي كلم الله تعالى عليه موسى عليه السلام.
● كعب الأحبار: هو كعب بن ماتع الحِمْيَري، كان من أحبار اليهود ثم أسلم في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
● مُصيخة: منصتة وخاشعة، تسمع وتنصت خوفًا من القيامة.
● شفقًا: خوفًا ورهبة.
● لا تضنَّ عليَّ: لا تبخل عليَّ بها.

---

ثانيًا. شرح الحديث:

يحكي أبو هريرة رضي الله عنه أنه خرج إلى جبل الطور، فالتقى بكعب الأحبار – وكان عالمًا من علماء أهل الكتاب – فجلس معه وتبادلا الحديث؛ فحدثه كعب عن التوراة، وحدثه أبو هريرة عن رسول الله ﷺ.
ومن جملة ما حدث به أبو هريرة كعبًا أن النبي ﷺ قال:
«خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة»
وهذا تفضيل ليوم الجمعة على سائر الأيام، فهو اليوم الذي اختصه الله بهذه الأمة.
«فيه خُلِق آدم»: أي في يوم الجمعة خلق الله آدم عليه السلام.
«وفيه أُهبِط من الجنة»: أي فيه أُنزِل آدم إلى الأرض بعد الأكل من الشجرة.
«وفيه تيب عليه»: فيه قبل الله توبته.
«وفيه مات»: وفيه انتقل آدم إلى رحمة الله.
«وفيه تقوم الساعة»: أي فيه يكون انتهاء الحياة الدنيا وقيام القيامة.
«وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقًا من الساعة»:
أي أن جميع المخلوقات تتنسم وتخشع وتنصت خوفًا من قيام الساعة في هذا الوقت من يوم الجمعة، إلا الجن والإنس؛ لانشغالهم بأمور الدنيا.
«وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه»:
أي أن في يوم الجمعة ساعة معينة لا يرد فيها الدعاء، إذا صادفها المسلم وهو يصلي (أو في حالة صلاة أو انتظارها) وسأل الله تعالى حاجةً، فإن الله يعطيه إياها.
ثم تعجب كعبٌ من ذلك، فظن أن هذا اليوم يكون مرة في السنة، فأخبره أبو هريرة أن النبي ﷺ قال إنه في كل جمعة، فقرأ كعب في التوراة فوجد موافقته لقول النبي ﷺ، فقال: صدق رسول الله ﷺ.
ثم قابل أبو هريرة عبد الله بن سلام – وهو من أحبار اليهود الذين أسلموا – وأخبره بالحديث وما دار بينه وبين كعب، فقال عبد الله بن سلام في البداية: "كذب كعب" لأنه ظن أن كعبًا قال إن الفضل يكون ليوم واحد في السنة، فلما بين له أبو هريرة أن كعبًا تراجع بعد قراءة التوراة ووافق أن الفضل في كل جمعة، قال عبد الله بن سلام: "صدق كعب".
ثم قال عبد الله بنسلام: «قد علمت أي ساعة هي»، أي يعرف الساعة التي لا يرد فيها الدعاء في يوم الجمعة.
فسأله أبو هريرة أن يخبره بها، فقال: «هي آخر ساعة بعد العصر».
فاستشكل أبو هريرة ذلك؛ لأن النبي ﷺ قال: «وهو يصلي»، وآخر ساعة بعد العصر ليس فيها صلاة مفروضة، فأجابه عبد الله بن سلام بأن النبي ﷺ قال: «من جلس مجلسًا ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي»، فمن جلس ينتظر صلاة المغرب في هذا الوقت فهو في حكم المصلي، فيحصل له فضل الدعاء في هذه الساعة.

---

ثالثًا. الدروس المستفادة:

1- فضل يوم الجمعة: فهو يوم مبارك اختصت به هذه الأمة، وفيه أحداث عظيمة تتعلق ببدء الخليقة ونهايتها.
2- الساعة المستجابة في الجمعة: فيها ساعة لا يرد فيها الدعاء، وقد اختلف العلماء في تعيينها، وأرجح الأقوال – كما في هذا الحديث – أنها آخر ساعة بعد العصر.
3- انتظار الصلاة من الصلاة: كما في الحديث الآخر الذي استشهد به عبد الله بن سلام، فمن جلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة، ويكتب له أجر الصلاة.
4- الحوار مع أهل العلم: كما حصل بين أبي هريرة وكعب وعبد الله بن سلام، وهو دليل على جواز الاستفادة من علم أهل الكتاب إذا لم يعارضوا الشرع.
5- التثبت في نقل العلم: كما فعل أبو هريرة حين استشكل الجمع بين كون الساعة آخر النهار واشتراط الصلاة، فسأل حتى اتضح له الأمر.

---

رابعًا. معلومات إضافية:

- اختلف العلماء في تحديد ساعة الاستجابة يوم الجمعة، وأقوالهم متعددة، ولكن القول بأنها من بعد العصر إلى غروب الشمس هو الأرجح لدلالة هذا الحديث وغيره.
- ينبغي للمسلم أن يغتنم هذا اليوم بالإكثار من الدعاء والذكر والصلاة على النبي ﷺ، والاجتهاد في العبادة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.