من خشية الله غفر له وإن كان قد أسرف على نفسه

حديث: من خشية الله غفر له وإن كان قد أسرف على نفسه

عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «أسرف رجل على نفسه، فلما حضره الموت أوصى بنيه فقال: إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم ذروني في الريح في البحر، فوالله! لئن قدر عليّ ربي ليعذّبني عذابًا ما عذّبه به أحدًا، قال: ففعلوا ذلك به، فقال للأرض: أدّي ما أخذت، فإذا هو قائم، فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: خشيتك يا رب، أو قال: مخافتك فغفر له بذلك».

متفق عليه: رواه البخاري في أحاديث الأنبياء (٣٤٨١) ومسلم في كتاب التوبة (٢٧٥٦ - ٢٥) كلاهما من طريق معمر قال: قال لي الزهري: ألا أحدثك بحديثين عجيبين؟ قال الزهري: أخبرني حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث عظيم من أحاديث الرجاء، رواه الإمام البخاري في صحيحه (رقم 3478) ومسلم (رقم 2756) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

أولاً. شرح المفردات:

● أسرف رجل على نفسه: أي أتى بكثير من الذنوب والمعاصي.
● أحرقوني: أحرقوا جسدي بالنار.
● اسحقوني: اطلقوه حتى يصبح رماداً أو دقيقاً ناعماً.
● ذروني في الريح: انثروني في الهواء.
● لئن قدر عليّ ربي: إذا تمكن مني ربي وأمسكني.
● أدّي ما أخذت: أخرجي ما استودعتكِ منه (أي أجزاء جسده).

ثانياً. شرح الحديث:

يحكي النبي صلى الله عليه وسلم قصة رجل عاصٍ كثُرَت ذنوبه، فلما حضرته الوفاة (أي قرب أجله)، استولى عليه اليأس من رحمة الله، فوصى أولاده بأن يحرقوا جثته بعد موته ثم يسحقوها ثم يذروها في البحر، ظناً منه أن هذا سيمنع الله من إعادة خلقه وبعثه للحساب، لأنه اعتقد أن ذنوبه عظيمة لا تُغفر.
ففعل أبناؤه ما أوصاهم به، ولكن قدرة الله مطلقة، فأمر الله الأرض أن تجمع أجزاءه، ففعلت، فإذا هو يقف أمام الله، فسأله الله تعالى عن سبب فعله هذا، فأجاب الرجل: "فعلت ذلك خشيتك" أو "مخافتك" أي خفت من عذابك وعقابك بسبب ذنوبي الكثيرة.
فلم يكن دافعه استهزاءً أو إنكاراً للبعث، بل كان دافعه الخوف الشديد من الله وعذابه، فغفر الله له بسبب هذا الخوف الصادق.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- سعة رحمة الله تعالى: فالله غفور رحيم، يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب وأناب، حتى لو بلغت عنان السماء.
2- عدم اليأس من رحمة الله: اليأس من روح الله من كبائر الذنوب، والحديث تحذير من الوقوع فيه. فلا ينبغي لعبد أن يقنط من رحمة ربه مهما عظمت ذنوبه.
3- قدرة الله المطلقة: لا يعجزه شيء، فهو الذي خلق كل شيء وهو على كل شيء قدير، قادر على جمع المتفرق وإعادة الخلق.
4- منزلة الخوف من الله: أن الخوف الصادق من الله تعالى من أعظم أسباب المغفرة، حتى لو وقع صاحبه في خطأ في التقدير (كخطأ هذا الرجل).
5- الحذر من الوساوس: الحديث يحذر من الاستسلام للوساوس والشكوك التي تدفع إلى اليأس.

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث من الأحاديث التي يُستدل بها على أن اليأس من رحمة الله من الكبائر.
- فيه بيان أن الأعمال بالنيات، فقد غفر الله له بسبب ما في قلبه من خوف صادق، مع أن ظاهر عمله (الوصية بإحراق جثته) قد يُتوهم منه غير ذلك.
- ينبغي للمسلم أن يوازن بين الخوف والرجاء، فلا يغلب أحدهما على الآخر.
نسأل الله تعالى أن يتوب علينا ويغفر لنا ذنوبنا، وأن لا يُزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاري في أحاديث الأنبياء (٣٤٨١) ومسلم في كتاب التوبة (٢٧٥٦ - ٢٥) كلاهما من طريق معمر قال: قال لي الزهري: ألا أحدثك بحديثين عجيبين؟ قال الزهري: أخبرني حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة فذكره.
ورواه مسلم (٢٧٥٦: ٢٦) من طريق الزبيدي، عن الزهري به نحوه وفيه: «فقال الله عز وجل لكل شيء أخذ منه شيئا: أدِّ ما أخذت منه».
ورواه البخاري في التوحيد (٧٥٠٦) ومسلم في التوبة (٢٧٥٦ - ٢٤) كلاهما من طريق مالك (كتاب الجنائز ٥٢) عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: «قال
رجل لم يعمل حسنة قط لأهله: إذا مات فحرّقوه، ثم ذروا نصفه في البر، ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ..» الحديث بنحو رواية حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة.
ورواه أحمد (٨٠٤٠) عن أبي كامل، حدثنا حماد، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ. وغير واحد، عن الحسن وابن سيرين، عن النبي ﷺ نحوه وفيه: «ولم يعمل خيرا قط إلا التوحيد».
ورواه أحمد (٣٧٨٥) من طريق عاصم بن بهدلة، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود أن رجلا لم يعمل من الخير شيئا قط إلا التوحيد فذكر نحوه.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 34 من أصل 74 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: من خشية الله غفر له وإن كان قد أسرف على نفسه

📜 حديث: من خشية الله غفر له وإن كان قد أسرف على نفسه

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: من خشية الله غفر له وإن كان قد أسرف على نفسه

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: من خشية الله غفر له وإن كان قد أسرف على نفسه

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: من خشية الله غفر له وإن كان قد أسرف على نفسه

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية