مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل درع ضيقة تنفك حلقاتها

حديث: مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل درع ضيقة تنفك حلقاتها

عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله ﷺ: «إن مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد خنقته ثم عمل حسنة فانفكت حلقة، ثم عمل حسنة أخرى فانفكت حلقة أخرى حتى يخرج إلى الأرض»

حسن: رواه أحمد (١٧٣٠٧) عن علي بن إسحاق، قال: أخبرنا عبد الله -يعني ابن المبارك- قال: أخبرنا ابن لهيعة، قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، قال: حدثنا أبو الخير، أنه سمع عقبة بن عامر يقول: فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، يوضح فيه معنى عظيمًا من معاني رحمة الله تعالى وتوبته على عباده.
الراوي: هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، أحد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم المشهورين.
مصدر الحديث: أخرجه الإمام أحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه، وقال: صحيح الإسناد. وهو حسن.

أولاً. شرح المفردات:

* الدرع: هو لباس الحرب المصنوع من الحديد، يُلبس لحماية الجسم.
* ضيقة: شديدة الضيق.
* خنقته: ضيقت على حلقه ونفسه حتى أشرف على الهلاك من شدة ضيقها.
* انفكت: انحلت وانتزعت وانفتحت.
* حلقة: كل حلقة من حلقات الدرع المعدنية المترابطة.

ثانيًا. شرح الحديث:

يشبّه النبي صلى الله عليه وسلم الإنسان الذي يكثر من السيئات والمعاصي برجل يلبس درعًا من حديد، ولكن هذه الدرع ليست واسعة مريحة، بل هي ضيقة جدًا ضيقًا شديدًا يصل إلى حد أن تخنق صاحبها وتضيق عليه أنفاسه، وتشعره بالاختناق والضيق والعذاب، وكأنه محبوس في سجن من حديد.
ثم يبدأ هذا الإنسان بالتوبة والعمل الصالح، فكل حسنة يعملها – كصدقة، أو صلاة، أو استغفار، أو بر والدين – كأنها تنزع حلقة من حلقات هذا الدرع الضيق، فترتخي عنه شيئًا فشيئًا.
فإذا استمر في عمل الحسنات والتوبة، فإن الحلقات ت继续 في الانفكاك والانحلال واحدة تلو الأخرى، حتى ينزع الدرع بالكامل عن جسده، ويصبح حرًا طليقًا في الأرض، قد تخلص من ذلك الضيق والاختناق والعذاب.
والمعنى: أن الذنوب والمعاصي كالقيود والأغلال تكبل الإنسان وتُضيّق عليه حياته وتثقله، وتقربه من العذاب. أما الطاعات والحسنات، فإنها تحطم هذه القيود، وتُزيح هذا الثقل، وتُطلق سراح القلب والروح من أسر المعصية، حتى يخرج الإنسان من ظلمة الذنوب إلى نور الطاعة والراحة.

ثالثًا. الدروس المستفادة والعبر:

1- سعة رحمة الله تعالى: الحديث رسالة أمل لكل من وقع في المعاصي وأحاطت به ذنوبه، أنه لا يجب أن يقنط من رحمة الله. فالباب مفتوح للتوبة والرجوع، وكل حسنة تُمحى بها سيئة وتُزيح أثرًا من آثار المعصية.
2- استمرارية العمل الصالح: التشبيه بـ "حلقة" بعد "حلقة" يوضح أهمية المداومة على العمل الصالح ولو كان قليلاً، فالمهم الاستمرار، لأن تجميع هذه الحسنات الصغيرة هو الذي سيُحطم في النهاية قيود الذنوب الكبيرة.
3- الذنوب سبب للضيق والشقاء: الضيق والاختناق في الدنيا هو من آثار المعاصي على القلب والحياة، كما قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه: 124]. فالمعصية سجن للقلب.
4- الحسنات يذهبن السيئات: هذا المعنى العظيم الذي جاء في القرآن الكريم: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]. فالحسنات هي العلاج الناجع لمحو آثار السيئات.
5- الحث على التوبة: يحثنا الحديث على المسارعة إلى التوبة وعدم اليأس، فما دام الإنسان حيًا فإن باب التوبة مفتوح، ويمكن أن يتحرر من جميع ذنوبه بإذن الله.

رابعًا. معلومات إضافية:

* هذا الحديث يشرح معنى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 7].
* ينبغي للمسلم أن يجمع بين التوبة النصوح (الندم والاستغفار والعزم على عدم العودة) وبين عمل الحسنات لتحل قيود ذنوبه.
* هذا التشبيه النبوي من أعظم ما يكون في الوضوح والتأثير، حيث يجسد المعنى المجرد في صورة محسوسة يسهل على كل إنسان فهمها وتذكرها.
أسأل الله تعالى أن يطهر قلوبنا من الذنوب والخطايا، وأن يجعلنا من التوابين المستغفرين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه أحمد (١٧٣٠٧) عن علي بن إسحاق، قال: أخبرنا عبد الله -يعني ابن المبارك- قال: أخبرنا ابن لهيعة، قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، قال: حدثنا أبو الخير، أنه سمع عقبة بن عامر يقول: فذكره.
وإسناده حسن، وابن لهيعة -وإن كان سيء الحفظ- لكن احتمل الأئمة ما رواه ابن المبارك عنه.
ورواه الطبراني في الكبير (١٧/ ٢٨٥) من طريق جرير بن حازم، قال: سمعت يحيى بن أيوب
يحدث عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن عبد الله (هو أبو الخير)، عن عقبة بن عامر فذكره.
ويحيى بن أيوب هو الغافقي المصري صدوق، والظاهر أنه متابع لابن لهيعة لكن قال ابن يونس: «وأحاديث جرير بن حازم، عن يحيى بن أيوب ليس عند المصريين منها حديث، وهي تشبه عندي أن تكون من حديث ابن لهيعة. والله أعلم اهـ.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 10 من أصل 74 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل درع ضيقة تنفك حلقاتها

📜 حديث: مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل درع ضيقة تنفك حلقاتها

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل درع ضيقة تنفك حلقاتها

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل درع ضيقة تنفك حلقاتها

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل درع ضيقة تنفك حلقاتها

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية