خمس لا يعلمهن إلا الله

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإن هذا الحديث العظيم الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، والمتفق على صحته، يعد من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاء فيه تعريف أركان الدين الإسلامي كله: الإيمان، والإسلام، والإحسان، والإيمان باليوم الآخر. وسأشرحه لكم جزءًا جزءًا بحسب ما ورد في كتب أهل السنة والجماعة المعتمدة.

---

أولاً. شرح المفردات:

● بارزًا: أي ظاهرًا للناس، ينتظر من يأتيه ليسأله أو يتعلم منه.
● جبريل: هو جبريل عليه السلام، المَلَك الموكل بالوحي.
● الإيمان: في اللغة: التصديق، وفي الشرع: يشمل الاعتقاد القلبي والقول والعمل.
● الملائكة: عالم غيبي خلقهم الله من نور، وهم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم.
● بلقائه: أي باللقاء مع الله تعالى يوم القيامة.
● الرسل: جمع رسول، وهم من أُوحي إليهم بشرع وأُمروا بتبليغه.
● البعث: أي إحياء الموتى يوم القيامة.
● الإسلام: الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة.
● الإحسان: هو مراقبة الله في السر والعلن، والإتقان في العبادة.
● رعاة الإبل البهم: البهم جمع أبهم، أي السود، والمقصود رعاة الإبل الفقراء الذين يتفاخرون في البنيان.
● أشراطها: علاماتها ودلائلها.

---

ثانيًا. شرح الحديث:

جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة رجل ليسأله عن أمور الدين ليعلم الناس، فسأله عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلامات الساعة.
1- سؤال عن الإيمان:
قال جبريل: "ما الإيمان؟" فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم:
«الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وبلقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث».
وهذا تعريف للإيمان الذي هو اعتقاد القلب، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هنا بعض أركان الإيمان الستة التي وردت في حديث آخر، وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره. وهنا ذكر أهمها تأكيدًا على التوحيد والبعث.
2- سؤال عن الإسلام:
قال: "ما الإسلام؟" فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم:
«الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان».
وهذا تعريف للإسلام الذي هو الأعمال الظاهرة، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هنا أركان الإسلام الخمسة باستثناء الحج؛ لأنه لم يكن فُرض yet وقت الحديث، أو لأنه ذكر الأمور الأساسية المتكررة. وقوله "أن تعبد الله ولا تشرك به" هو أساس الإسلام، ثم ذكر الصلاة والزكاة والصوم.
3- سؤال عن الإحسان:
قال: "ما الإحسان؟" فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم:
«أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك».
وهذا أعلى مراتب الدين، وهو مراقبة الله في كل حال، بأن يعمل العبد كما لو كان يشاهد الله، فإن لم يستطع ذلك فليتذكر أن الله يراه.
4- سؤال عن الساعة:
قال: "متى الساعة؟" فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم:
«ما المسئول عنها بأعلم من السائل» أي أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم وقت قيام الساعة، كما أن جبريل لا يعلمه، لأن علمها عند الله وحده.
ثم ذكر بعض علامات الساعة الصغرى، مثل:
- «إذا ولدت الأمة ربها»: أي إذا صارت المرأة أمة (جارية أو خادمة) تلد سيدها، إما بكثرة الاسترقاق أو بأن تلد من سيدها فيصبح ولدها سيدًا لها.
- «وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان»: أي إذا تفاخر الفقراء (رعاة الإبل) في بناء المساكن العالية.
ثم ختم بقوله: «في خمس لا يعلمهن إلا الله» واستشهد بالآية الكريمة من سورة لقمان التي تؤكد أن علم الساعة والغيب الخمسة هي من علم الله الخاص.
ثم انصرف جبريل عليه السلام، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان جبريل جاء ليعلم الناس دينهم.

---

ثالثًا. الدروس المستفادة من الحديث:

1- بيان أركان الدين: الإيمان (الاعتقاد)، الإسلام (الأعمال)، الإحسان (الإخلاص والمراقبة).
2- التدرج في التعليم: بدأ بالسؤال عن الأساسيات ثم انتقل إلى الأعلى.
3- أن الساعة من علم الغيب: لا يعلم وقتها إلا الله، مما يوجب على المسلم الاستعداد لها دائمًا.
4- فضل العلم والتعلم: حيث جاء جبريل في صورة معلم ليستفيد الحاضرون.
5- الحث على مراقبة الله: في كل الأعمال، وهو معنى الإحسان.

---

رابعًا. معلومات إضافية:

- هذا الحديث يسمى حديث جبريل، وهو من الأحاديث الأساسية في العقيدة والفقه.
- رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
- فيه إثبات صفات الله تعالى من العلم والقدرة، وإثبات الملائكة والرسل والبعث.
- وفيه الرد على من أنكر البعث أو استهزأ بعلامات الساعة.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من المؤمنين الموحدين المحسنين، المستعدين ليوم القيامة، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.