أراني صبحها أسجد في ماء وطين

حديث: أراني صبحها أسجد في ماء وطين

عن عبد الله بن أُنيس، أنّ رسولَ الله ﷺ قال: «أُريتُ ليلة القدر ثم أُنسيتُها، وأراني صُبْحَها أسجُدُ في ماء وطين». قال: فمطرنا ليلة ثلاثٍ وعشرين، فصلّي بنا رسولُ الله ﷺ، فانصرف وإنَّ أثر الماءِ والطِّين على جبهته وأنفه.
قال: وكان عبد الله بن أنيس يقول: ثلاثٍ وعشرين.

صحيح: رواه مسلم في الصيام (١١٦٨) من طريق أبي ضمرة، عن أبي النّضر مولي ابن
عبيد الله، عن بُسر بن سعيد، عن عبد الله بن أُنيس، فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين وإمام المتقين.
أهلاً وسهلاً بك أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يوفقنا جميعاً لفهم سنة نبيه ﷺ والعمل بها.
هذا حديث عظيم رواه الصحابي الجليل عبد الله بن أُنيس رضي الله عنه، وهو من الأحاديث الصحيحة التي أخرجها الإمام مسلم في صحيحه، وغيره من أئمة الحديث. وإليك الشرح الوافي له على النحو التالي:

أولاً. شرح المفردات:

● أُريتُ: من الرؤية، أي أُظهرت لي وأعلمت بها.
● لَيْلَةَ القَدْرِ: الليلة المباركة التي أنزل فيها القرآن، والتي هي خير من ألف شهر.
● أُنسيتُها: نُسِّيتها، أي أُزيلت من ذاكرتي ولم أعلم تعيينها.
● صُبْحَها: وقت الصباح، أي وقت صلاة الفجر.
● أسجُدُ في ماء وطين: أي أن رأيته يسجد في صلاة الصبح وفي مكان يوجد فيه ماء وطين.
● فانصرف: أي انتهى من الصلاة وخرج منها.
● على جبهته وأنفه: آثار السجود في الطين ظاهرة على مواضع سجوده.

ثانياً. شرح الحديث:

يخبر النبي ﷺ في هذا الحديث أنه قد أُظهرت له ليلة القدر بعينها في المنام أو بالإلهام، ثم نُسِّيَ تعيينها، فلا يعلم أي ليلة هي بالضبط. وهذا من رحمة الله تعالى وحكمته؛ ليجتهد المسلمون في طلبها في جميع ليالي العشر الأواخر من رمضان، ولا يتكلوا على ليلة واحدة.
ثم يذكر النبي ﷺ علامةً دلت على أنها ليلة ثلاث وعشرين، حيث قال: (وأراني صبحها أسجد في ماء وطين). أي أنه رأى في منامه أنه في صبيحة تلك الليلة (أي وقت صلاة الفجر) يسجد في صلاته على أرض مبتلة بالماء والطين.
وتحقق ما رآه النبي ﷺ، حيث نزل المطر في ليلة ثلاث وعشرين، فصلى بهم رسول الله ﷺ صلاة الفجر، وعندما انتهى من الصلاة كانت آثار الماء والطين واضحة على جبهته الشريفة وأنفه الكريم من أثر السجود على الأرض المبتلة. فكانت هذه العلامة الحسية تأكيداً على أن الليلة التي سبقت ذلك الصباح (أي ليلة ثلاث وعشرين) هي ليلة القدر التي رآها ثم نسيها.
ولهذا كان الصحابي عبد الله بن أُنيس رضي الله عنه يرجح ويقول: (ثلاث وعشرين)، بناءً على هذه العلامة التي شهدها بنفسه.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- الحكمة من إخفاء ليلة القدر: في نسيان النبي ﷺ لتعيينها بعد أن رآها حكمة عظيمة، وهي حث الأمة على الاجتهاد في العبادة والطاعة في جميع ليالي العشر الأواخر، وعدم الاقتصار على ليلة واحدة، مما يضاعف الأجر والثواب.
2- صدق رؤيا الأنبياء: رؤيا الأنبياء حق ووحي، كما تحققت رؤيا النبي ﷺ في اليوم التالي، وهذا من خصائصهم عليهم الصلاة والسلام.
3- اجتهاد النبي ﷺ في العبادة: الحديث يدل على حرص النبي ﷺ على الصلاة مع الجماعة حتى في الظروف الصعبة، حيث صلى في الماء والطين، ليقدم قدوة عملية لأمته في عدم التكاسل عن الطاعة لأجل المشقة.
4- طلب العلامات والدلائل: يجوز للمسلم أن يطلب ويترقب العلامات التي تدل على فضل بعض الأزمنة أو الأماكن، كما فعل الصحابة هنا، ولكن دون الغلو أو الاعتماد على أمور غير ثابتة.
5- فضل ليلة ثلاث وعشرين: الحديث من الأدلة التي يستأنس بها على أن ليلة القدر قد تكون في ليلة ثلاث وعشرين، مما يشجع على الاجتهاد فيها خاصة، مع عدم إهمال بقية الليالي.

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث لا يعني الجزم بأن ليلة القدر هي دائماً في ليلة ثلاث وعشرين، بل هي تنتقل في ليالي الوتر من العشر الأواخر (ليلة 21، 23، 25، 27، 29). فقد تكون في إحداها في عام، وفي أخرى في عام آخر.
- العلامة المذكورة في الحديث (السجود في الماء والطين) كانت علامة خاصة لتلك الليلة وتلك السنة، وليست علامة متكررة كل عام. فلا ينبغي للناس أن يترقبوا نزول المطر في ليلة معينة كدليل على ليلة القدر.
- الأصل في إحياء ليلة القدر هو الإكثار من الصلاة، وقراءة القرآن، والذكر، والدعاء، وخاصة الدعاء المأثور: «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني».
أسأل الله تعالى أن يتقبل منا الصيام والقيام، وأن يبلغنا ليلة القدر، ويجعلنا من عتقائه من النار. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه مسلم في الصيام (١١٦٨) من طريق أبي ضمرة، عن أبي النّضر مولي ابن
عبيد الله، عن بُسر بن سعيد، عن عبد الله بن أُنيس، فذكره.
وأبو ضمرة هو أنس بن عياض الليثيّ.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 384 من أصل 428 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: أراني صبحها أسجد في ماء وطين

📜 حديث: أراني صبحها أسجد في ماء وطين

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: أراني صبحها أسجد في ماء وطين

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: أراني صبحها أسجد في ماء وطين

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: أراني صبحها أسجد في ماء وطين

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية