وَالطُّورِ(1) التفسير المختصر: أقسم الله بالجبل الذي كلّم عليه موسى عليه السلام. تفسير الجلالين: «والطور» أي الجبل الذي كلم الله عليه موسى. تفسير السعدي: يقسم تعالى بهذه الأمور العظيمة، المشتملة على الحكم الجليلة، على البعث والجزاء للمتقين والمكذبين، فأقسم بالطور الذي هو الجبل الذي كلم الله عليه نبيه موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام، وأوحى إليه ما أوحى من الأحكام، وفي ذلك من المنة عليه وعلى أمته، ما هو من آيات الله العظيمة،ونعمه التي لا يقدر العباد لها على عد ولا ثمن. |
وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ(2) التفسير المختصر: وأقسم بالكتاب الذي هو مسَطَّر. تفسير الجلالين: «وكتاب مسطور». تفسير السعدي: وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ يحتمل أن المراد به اللوح المحفوظ، الذي كتب الله به كل شيء، ويحتمل أن المراد به القرآن الكريم، الذي هو أفضل كتاب أنزله الله محتويا على نبأ الأولين والآخرين، وعلوم السابقين واللاحقين. |
فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ(3) التفسير المختصر: في ورق مبسوط مفتوح كالكتب المنزلة. تفسير الجلالين: «في رقٍّ منشور» أي التوراة أو القرآن. تفسير السعدي: وقوله: فِي رَقٍّ أي: ورق مَنْشُورٍ أي: مكتوب مسطر، ظاهر غير خفي، لا تخفى حاله على كل عاقل بصير. |
وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ(4) التفسير المختصر: وأقسم بالبيت الذي تعمره الملائكة في السماء بعبادة الله. تفسير الجلالين: «والبيت المعمور» هو في السماء الثالثة أو السادسة أو السابعة بحيال الكعبة يزوره كل يوم سبعون ألف ملك بالطواف والصلاة لا يعودون إليه أبدا. تفسير السعدي: وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وهو البيت الذي فوق السماء السابعة، المعمور مدى الأوقات بالملائكة الكرام، الذي يدخله كل يوم سبعون ألف ملك [يتعبدون فيه لربهم ثم] ، لا يعودون إليه إلى يوم القيامة وقيل: إن البيت المعمور هو بيت الله الحرام، والمعمور بالطائفين والمصلين والذاكرين كل وقت، وبالوفود إليه بالحج والعمرة.كما أقسم الله به في قوله: وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ وحقيق ببيت أفضل بيوت الأرض، الذي قصده بالحج والعمرة، أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، التي لا يتم إلا بها، وهو الذي بناه إبراهيم وإسماعيل، وجعله الله مثابة للناس وأمنا، أن يقسم الله به، ويبين من عظمته ما هو اللائق به وبحرمته. |
وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ(5) التفسير المختصر: وأقسم بالسماء المرفوعة التي هي سقف الأرض. تفسير الجلالين: «والسقف المرفوع» أي السماء. تفسير السعدي: وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ أي: السماء، التي جعلها الله سقفا للمخلوقات، وبناء للأرض، تستمد منها أنوارها، ويقتدى بعلاماتها ومنارها، وينزل الله منها المطر والرحمة وأنواع الرزق. |
وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ(6) التفسير المختصر: وأقسم بالبحر المملوء ماء. تفسير الجلالين: «والبحر المسجور» أي المملوء. تفسير السعدي: وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ أي: المملوء ماء، قد سجره الله، ومنعه من أن يفيض على وجه الأرض، مع أن مقتضى الطبيعة، أن يغمر وجه الأرض، ولكن حكمته اقتضت أن يمنعه عن الجريان والفيضان، ليعيش من على وجه الأرض، من أنواع الحيوان وقيل: إن المراد بالمسجور، الموقد الذي يوقد [نارا] يوم القيامة، فيصير نارا تلظى، ممتلئا على عظمته وسعته من أصناف العذاب.هذه الأشياء التي أقسم الله بها، مما يدل على أنها من آيات الله وأدلة توحيده، وبراهين قدرته، وبعثه الأموات |
إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ(7) التفسير المختصر: إن عذاب ربك - أيها الرسول - لواقع لا محالة على الكافرين. تفسير الجلالين: «إن عذاب ربك لواقع» لنازل بمستحقه. تفسير السعدي: إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ أي: لا بد أن يقع، ولا يخلف الله وعده وقيله. |
مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ(8) التفسير المختصر: ليس له من دافع يدفعه عنهم، ويمنعهم من وقوعه بهم. تفسير الجلالين: «ماله من دافع» عنه. تفسير السعدي: مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ يدفعه، ولا مانع يمنعه، لأن قدرة الله تعالى لا يغالبهامغالب، ولا يفوتها هارب، ثم ذكر وصف ذلك اليوم، الذي يقع فيه العذاب. |
يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا(9) التفسير المختصر: يوم تتحرك السماء تحركًا، وتضطرب إيذانًا بالقيامة. تفسير الجلالين: «يوم» مفعول لواقع «تمور السماء مورا» تتحرك وتدور. تفسير السعدي: يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا أي: تدور السماء وتضطرب، وتدوم حركتها بانزعاج وعدم سكون، |
وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا(10) التفسير المختصر: وتسير الجبال من مواقعها سيرًا. تفسير الجلالين: «وتسير الجبال سيرا» تصير هباء منثورا وذلك في يوم القيامة. تفسير السعدي: وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا أي: تزول عن أماكنها، وتسير كسير السحاب، وتتلون كالعهن المنفوش، وتبث بعد ذلك [حتى تصير] مثل الهباء، وذلك كله لعظم هول يوم القيامة، وفظاعة ما فيه من الأمور المزعجة، والزلازل المقلقة، التي أزعجت هذه الأجرام العظيمة، فكيف بالآدمي الضعيف!؟ |
فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ(11) التفسير المختصر: فهلاك وخسار في ذلك اليوم للمكذبين بما وعد الله الكافرين به من العذاب. تفسير الجلالين: «فويل» شدة عذاب «يومئذ للمكذبين» للرسل. تفسير السعدي: فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ والويل: كلمة جامعة لكل عقوبة وحزن وعذاب وخوف. |
الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ(12) التفسير المختصر: الذين هم في خوض في الباطل يلعبون، لا يبالون ببعث ولا نشور. تفسير الجلالين: «الذين هم في خوض» باطل «يلعبون» أي يتشاغلون بكفرهم. تفسير السعدي: ثم ذكر وصف المكذبين الذين استحقوا به الويل، فقال: الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ أي: خوض في الباطل ولعب به. فعلومهم وبحوثهم بالعلوم الضارة المتضمنة للتكذيب بالحق، والتصديق بالباطل، وأعمالهم أعمال أهل الجهل والسفه واللعب، بخلاف ما عليه أهل التصديق والإيمان من العلوم النافعة، والأعمال الصالحة. |
يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا(13) التفسير المختصر: يوم يُدْفعون بشدّة وعنف إلى نار جهنم دفعًا. تفسير الجلالين: «يوم يُدعُّون إلى نار جهنم دعّا» يدفعون بعنف بدل من يوم تمور، ويقال لهم تبكيتا. تفسير السعدي: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا أي: يوم يدفعون إليها دفعا، ويساقون إليها سوقا عنيفا، ويجرون على وجوههم، |
هَٰذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ(14) التفسير المختصر: ويقال توبيخًا لهم: هذه النار التي كنتم بها تكذبون عندما تخوفكم رسلكم منها. تفسير الجلالين: «هذه النار التي كنتم بها تكذبون». تفسير السعدي: ويقال لهم توبيخا ولوما: هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ فاليوم ذوقوا عذاب الخلد الذي لا يبلغ قدره، ولا يوصف أمره. |
أَفَسِحْرٌ هَٰذَا أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ(15) التفسير المختصر: أفسحر هذا الذي عاينتموه من العذاب؟! أم أنتم لا تعاينونه؟! تفسير الجلالين: «أفسحر هذا» العذاب الذي ترون كما كنتم تقولون في الوحي هذا سحر «أم أنتم لا تبصرون». تفسير السعدي: أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ يحتمل أن الإشارة إلى النار والعذاب، كما يدل عليه سياق الآية أي: لما رأوا النار والعذاب قيل لهم من باب التقريع: أهذا سحر لا حقيقة له، فقد رأيتموه، أم أنتم في الدنيا لا تبصرون أي: لا بصيرة لكم ولا علم عندكم، بل كنتم جاهلين بهذا الأمر، لم تقم عليكم الحجة؟ والجواب انتفاء الأمرين:أما كونه سحرا، فقد ظهر لهم أنه أحق الحق، وأصدق الصدق، المخالف للسحر من جميع الوجوه، وأما كونهم لا يبصرون، فإن الأمر بخلاف ذلك، بل حجة الله قد قامت عليهم، ودعتهم الرسل إلى الإيمان بذلك، وأقامت من الأدلة والبراهين على ذلك، ما يجعله من أعظم الأمور المبرهنة الواضحة الجلية.ويحتمل أن الإشارة [بقوله: أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ ] إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الحق المبين، والصراط المستقيم أي: هذا الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم سحر أم عدم بصيرة بكم، حتى اشتبه عليكم الأمر، وحقيقة الأمر أنه أوضح من كل شيء وأحق الحق، وأن حجة الله قامت عليهم |
اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(16) التفسير المختصر: ذوقوا حرّ هذه النار وعانوها، فاصبروا على معاناة حرّها، أو لا تصبروا عليه، سواء صبركم وعدم صبركم، لا تجزون اليوم إلا ما كنتم تعملون في الدنيا من الكفر والمعاصي. تفسير الجلالين: «اصلوْها فاصبروا» عليها «أو لا تصبروا» صبركم وجزعكم «سواء عليكم» لأن صبركم لا ينفعكم «إنما تجزون ما كنتم تعملون» أي جزاءه. تفسير السعدي: اصْلَوْهَا أي: ادخلوا النار على وجه تحيط بكم، وتستوعب جميع أبدانكم وتطلع على أفئدتكم. فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أي: لا يفيدكم الصبر على النار شيئا، ولا يتأسى بعضكم ببعض، ولا يخفف عنكم العذاب، وليست من الأمور التي إذا صبر العبد عليها هانت مشقتها وزالت شدتها.وإنما فعل بهم ذلك، بسبب أعمالهم الخبيثة وكسبهم، [ولهذا قال] إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ |
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ(17) التفسير المختصر: إن المتقين لربهم - بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه - في جنات ونعيم عظيم لا ينقطع. تفسير الجلالين: «إن المتقين في جنات ونعيم». تفسير السعدي: لما ذكر تعالى عقوبة المكذبين، ذكر نعيم المتقين، ليجمع بين الترغيب والترهيب، فتكون القلوب بين الخوف والرجاء، فقال: إِنَّ الْمُتَّقِينَ لربهم، الذين اتقوا سخطه وعذابه، بفعل أسبابه من امتثال الأوامر واجتناب النواهي. فِي جَنَّاتِ أي: بساتين، قد اكتست رياضها من الأشجار الملتفة، والأنهار المتدفقة، والقصور المحدقة، والمنازل المزخرفة، وَنَعِيمٍ [وهذا] شامل لنعيم القلب والروح والبدن |
فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ(18) التفسير المختصر: يتفكهون بما أعطاهم الله من لذائذ المأكل والمشرب والمنكح، ووقاهم ربهم سبحانه عذاب الجحيم؛ ففازوا بحصول مطلوبهم من الملذات، وبوقايتهم من المكدرات. تفسير الجلالين: «فاكهين» متلذذين «بما» مصدرية «آتاهم» أعطاهم «ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم» عطفا على آتاهم، أي بإتيانهم ووقايتهم ويقال لهم. تفسير السعدي: فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ أي: معجبين به، متمتعين على وجه الفرح والسرور بما أعطاهم الله من النعيم الذي لا يمكن وصفه، ولا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين، ووقاهم عذاب الجحيم، فرزقهم المحبوب، ونجاهم من المرهوب، لما فعلوا ما أحبه الله، وجانبوا ما يسخطه ويأباه. |
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(19) التفسير المختصر: ويقال لهم: كلوا واشربوا مما اشتهته أنفسكم، هنيئًا، لا تخافون ضررًا ولا أذى مما تأكلون أو تشربون؛ جزاء لكم على أعمالكم الطيبة في الدنيا. تفسير الجلالين: «كلوا واشربوا هنيئا» حال أي: مهنئين «بما» الباء سببية «كنتم تعملون». تفسير السعدي: كُلُوا وَاشْرَبُوا أي: مما تشتهيه أنفسكم، من [أصناف] المآكل والمشارب اللذيذة، هَنِيئًا أي: متهنئين بتلك المآكل والمشارب على وجه الفرح والسرور والبهجة والحبور. بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي: نلتم ما نلتم بسبب أعمالكم الحسنة، وأقوالكم المستحسنة. |
مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ ۖ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ(20) التفسير المختصر: متكئون على الأرائك المزينة قد جعلت متقابلة بعضها إلى جانب بعض، وزوجناهم بنساء بيض واسعات العيون. تفسير الجلالين: (متكئين) حال من الضمير المستكن في قوله "" في جنات "" (على سرر مصفوفة) بعضها إلى جنب بعض (وزوجناهم) عطف على جنات، أي قرناهم (بحور عين) عظام الأعين حسانها. تفسير السعدي: مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ الاتكاء: هو الجلوس على وجه التمكن والراحة والاستقرار، والسرر: هي الأرائك المزينة بأنواع الزينة من اللباس الفاخر والفرش الزاهية.ووصف الله السرر بأنها مصفوفة، ليدل ذلك على كثرتها، وحسن تنظيمها، واجتماع أهلها وسرورهم، بحسن معاشرتهم، ولطف كلام بعضهم لبعض فلما اجتمع لهم من نعيم القلب والروح والبدن ما لا يخطر بالبال، ولا يدور في الخيال، من المآكل والمشارب [اللذيذة]، والمجالس الحسنة الأنيقة، لم يبق إلا التمتع بالنساء اللاتي لا يتم سرور بدونهن فذكر الله أن لهم من الأزواج أكمل النساء أوصافا وخلقا وأخلاقا، ولهذا قال: وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ وهن النساء اللواتي قد جمعن من جمال الصورة الظاهرة وبهاءها، ومن الأخلاق الفاضلة، ما يوجب أن يحيرن بحسنهن الناظرين، ويسلبن عقول العالمين، وتكاد الأفئدة أن تطيش شوقا إليهن، ورغبة في وصالهن، والعين: حسان الأعين مليحاتها، التي صفا بياضها وسوادها. |
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ(21) التفسير المختصر: والذين آمنوا واتبعهم أولادهم في الإيمان، ألحقنا بهم أولادهم لتقرّ أعينهم بهم، ولو لم يبلغوا أعمالهم، وما نقصناهم شيئًا من ثواب أعمالهم، كل إنسان محبوس بما كسبه من عمل سيئ لا يحمل عنه غيره من عمله شيئًا. تفسير الجلالين: «والذين آمنوا» مبتدأ «أتبعناهم» وفي قراءة واتبعتهم معطوف على آمنوا «ذرياتهم» وفي قراءة ذريتهم الصغار والكبار «بإيمان» من الكبار ومن أولادهم الصغار والخبر «ألحقنا بهم ذرياتهم» المذكورين في الجنة فيكونون في درجتهم وإن لم يعملوا تكرمة للآباء باجتماع الأولاد إليهم «وما ألتناهم» بفتح اللام وكسرها نقصناهم «من عملهم من» زائدة «شيء» يزاد في عمل الأولاد «كل امرئ بما كسب» من عمل خير أو شر «رهين» مرهون يؤاخذ بالشر ويجازى بالخير. تفسير السعدي: وهذا من تمام نعيم أهل الجنة، أن ألحق الله [بهم] ذريتهم الذين اتبعوهم بإيمان أي: الذين لحقوهم بالإيمان الصادر من آبائهم، فصارت الذرية تبعا لهم بالإيمان، ومن باب أولى إذا تبعتهم ذريتهم بإيمانهم الصادر منهم أنفسهم، فهؤلاء المذكورون، يلحقهم الله بمنازل آبائهم في الجنة وإن لم يبلغوها، جزاء لآبائهم، وزيادة في ثوابهم، ومع ذلك، لا ينقص الله الآباء من أعمالهم شيئا، ولما كان ربما توهم متوهم أن أهل النار كذلك، يلحق الله بهم أبناءهم وذريتهم، أخبر أنه ليس حكم الدارين حكما واحدا، فإن النار دار العدل، ومن عدله تعالى أن لا يعذب أحدا إلا بذنب، ولهذا قال: كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ أي: مرتهن بعمله، فلا تزر وازرة وزر أخرى، ولا يحمل على أحد ذنب أحد. هذا اعتراض من فوائده إزالة الوهم المذكور. |
وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ(22) التفسير المختصر: وأمددنا أهل الجنة هؤلاء بصنوف من الفاكهة، وأمددناهم بكل ما اشتهوه من لحم. تفسير الجلالين: «وأمددناهم» زدناهم في وقت بعد وقت «بفاكهة ولحم ما يشتهون» وإن لم يصرحوا بطلبه. تفسير السعدي: وَأَمْدَدْنَاهُمْ أي: أمددنا أهل الجنة من فضلنا الواسع ورزقنا العميم، بِفَاكِهَةٍ من العنب والرمان والتفاح، وأصناف الفواكه اللذيذة الزائدة على ما به يتقوتون، وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ من كل ما طلبوه واشتهته أنفسهم، من لحم الطير وغيرها. |
يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَّا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ(23) التفسير المختصر: يتعاطون في الجنة كأسًا لا يترتب على شربها ما يترتب عليها في الدنيا، من الكلام الباطل والإثم بسبب السكر. تفسير الجلالين: «يتنازعون» يتعاطون بينهم «فيها» أي الجنة «كأسا» خمرا «لا لغوٌ فيها» أي بسبب شربها يقع بينهم «ولا تأثيم» به يلحقهم بخلاف خمر الدنيا. تفسير السعدي: يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا أي: تدور كاسات الرحيق والخمر عليهم، ويتعاطونها فيما بينهم، وتطوف عليهم الولدان المخلدون بأكواب وأباريق وكأس لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ أي: ليس في الجنة كلام لغو، وهو الذي لا فائدة فيه ولا تأثيم، وهو الذي فيه إثم ومعصية، وإذا انتفى الأمران، ثبت الأمر الثالث، وهو أن كلامهم فيها سلام طيب طاهر، مسر للنفوس، مفرح للقلوب، يتعاشرون أحسن عشرة، ويتنادمون أطيب المنادمة، ولا يسمعون من ربهم، إلا ما يقر أعينهم، ويدل على رضاه عنهم [ومحبته لهم]. |
۞ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ(24) التفسير المختصر: ويدور عليهم غلمان سخروا لخدمتهم كأنهم في صفاء بشرتهم وبياضها لؤلؤ محفوظ في أصدافه. تفسير الجلالين: «ويطوف عليهم» للخدمة «غلمان» أرقاء «لهم كأنهم» حسنا ولطافة «لؤلؤ مكنون» مصون في الصدف لأنه فيها أحسن منه في غيرها. تفسير السعدي: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ أي: خدم شباب كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ من حسنهم وبهائهم، يدورون عليهم بالخدمة وقضاء ما يحتاجون إليه وهذا يدل على كثرة نعيمهم وسعته، وكمال راحتهم. |
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ(25) التفسير المختصر: وأقبل بعض أهل الجنة على بعض، يسأل بعضهم بعضًا عن حالهم في الدنيا. تفسير الجلالين: «وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون» يسأل بعضهم بعضا عما كانوا عليه وما وصلوا إليه تلذذا واعترافا بالنعمة. تفسير السعدي: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ عن أمور الدنيا وأحوالها. |
قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ(26) التفسير المختصر: فيجيبونهم: إنا كنا في الدنيا بين أهلينا خائفين من عذاب الله. تفسير الجلالين: «قالوا» إيماء إلى علة الوصول «إنا كنا قبل في أهلنا» في الدنيا «مشفقين» خائفين من عذاب الله. تفسير السعدي: قَالُوا في [ذكر] بيان الذي أوصلهم إلى ما هم فيه من الحبرة والسرور: إِنَّا كُنَّا قَبْلُ أي: في دار الدنيا فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ أي: خائفين وجلين، فتركنا من خوفه الذنوب، وأصلحنا لذلك العيوب. |
فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ(27) التفسير المختصر: فمنّ الله علينا بالهداية إلى الإسلام، ووقانا العذاب البالغ في الحرارة. تفسير الجلالين: «فمنّ الله علينا» بالمغفرة «ووقانا عذاب السموم» النار لدخولها في المسام وقالوا إيماء أيضا. تفسير السعدي: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا بالهداية والتوفيق، وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ أي: العذاب الحار الشديد حره. |
إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ ۖ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ(28) التفسير المختصر: إنا كنّا في حياتنا الدنيا نعبده، وندعوه أن يقينا عذاب النار، إنه هو المحسن الصادق في وعده لعباده، الرحيم بهم، ومن برّه ورحمته بنا أن هدانا للإيمان، وأدخلنا الجنة، وأبعدنا عن النار. تفسير الجلالين: «إنا كنا من قبل» أي في الدنيا «ندعوه» نعبده موحدين «إنه» بالكسر استئنافا وإن كان تعليلا معنى وبالفتح تعليلا لفظا «هو البر» المحسن الصادق في وعده «الرحيم» العظيم الرحمة. تفسير السعدي: إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ أن يقينا عذاب السموم، ويوصلنا إلى النعيم، وهذا شامل لدعاء العبادة ودعاء المسألة أي: لم نزل نتقرب إليه بأنواع القربات وندعوه في سائر الأوقات، إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ فمن بره بنا ورحمته إيانا، أنالنا رضاه والجنة، ووقانا سخطه والنار. |
فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ(29) التفسير المختصر: فذكّر - أيها الرسول - بالقرآن، فلست بما أنعم الله عليك به من الإيمان والعقل بكاهنٍ لكَ رَئِيٌّ من الجن، ولست بمجنون. تفسير الجلالين: «فذكِّر» دم على تذكير المشركين ولا ترجع عنه لقولهم لك كاهن مجنون «فما أنت بنعمة ربك» بإنعامه عليك «بكاهن» خبر ما «ولا مجنون» معطوف عليه. تفسير السعدي: يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يذكر الناس، مسلمهم وكافرهم، لتقوم حجة الله على الظالمين، ويهتدي بتذكيره الموفقون، وأنه لا يبالي بقول المشركين المكذبين وأذيتهم وأقوالهم التي يصدون بها الناس عن اتباعه، مع علمهم أنه أبعد الناس عنها، ولهذا نفى عنه كل نقص رموه به فقال: فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ أي: منه ولطفه، بِكَاهِنٍ أي: له رئي من الجن، يأتيه بأخبار بعض الغيوب، التي يضم إليها مائة كذبة، وَلَا مَجْنُونٍ فاقد للعقل، بل أنت أكمل الناس عقلا، وأبعدهم عن الشياطين، وأعظمهم صدقا، وأجلهم وأكملهم، |
أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ(30) التفسير المختصر: أم يقول هؤلاء المكذبون: إن محمدًا ليس رسولًا، بل هو شاعر ننتظر به أن يتخطفه الموت، فنستريح منه. تفسير الجلالين: «أم» بل «يقولون» هو «شاعر نتربص به ريْب المنون» حوادث الدهر فيهلك كغيره من الشعراء. تفسير السعدي: وتارة يَقُولُونَ فيه: إنه شَاعِرٌ يقول الشعر، والذي جاء به شعر،والله يقول: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ أي: ننتظر به الموت فسيبطل أمره، [ونستريح منه]. |
قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ(31) التفسير المختصر: قل لهم - أيها الرسول -: انتظروا موتي، وأنا أنتظر ما يحلّ بكم من عذاب بسبب تكذيبكم إياي. تفسير الجلالين: «قل تربصوا» هلاكي «فإني معكم من المتربصين» هلاككم فعذبوا بالسيف يوم بدر، والتربص الانتظار. تفسير السعدي: قُلْ لهم جوابا لهذا الكلام السخيف: تَرَبَّصُوا أي: انتظروا بي الموت، فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ نتربص بكم، أن يصيبكم الله بعذاب من عنده، أو بأيدينا، |
أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَٰذَا ۚ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ(32) التفسير المختصر: بل أتأمرهم عقولهم بقولهم: إنه كاهن ومجنون؟! فيجمعون بين ما لا يجتمع في شخص، بل هم قوم متجاوزون للحدود، فلا يرجعون إلى شرع ولا عقل. تفسير الجلالين: «أم تأمرهم أحلامهم» عقولهم «بهذا» قولهم له: ساحر كاهن مجنون، أي لا تأمرهم بذلك «أم» بل «هم قوم طاغون» بعنادهم. تفسير السعدي: أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ أي: أهذا التكذيب لك، والأقوال التي قالوها؟ هل صدرت عن عقولهم وأحلامهم؟ فبئس العقول والأحلام، التي أثرت ما أثرت، وصدر منها ما صدرفإن عقولا جعلت أكمل الخلق عقلا مجنونا، وأصدق الصدق وأحق الحق كذبا وباطلا، لهي العقول التي ينزه المجانين عنها، أم الذي حملهم على ذلك ظلمهم وطغيانهم؟ وهو الواقع، فالطغيان ليس له حد يقف عليه، فلا يستغرب من الطاغي المتجاوز الحد كل قول وفعل صدر منه. |
أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ ۚ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ(33) التفسير المختصر: أم يقولون: إن محمدًا اختلق هذا القرآن، ولم يوحَ إليه به؟! لم يختلقه، بل هم يستكبرون عن الإيمان به، فيقولون: اختلقه. تفسير الجلالين: «أم يقولون تقوَّلهُ» اختلق القرآن، لم يختلقه «بل لا يؤمنون» استكبارا، فإن قالوا اختلقه. تفسير السعدي: أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ أي: تقول محمد القرآن، وقاله من تلقاء نفسه؟ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ فلو آمنوا، لم يقولوا ما قالوا. |
فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ(34) التفسير المختصر: فليأتوا بحديث مثله ولو كان مُخْتَلَقًا إن كانوا صادقين في دعواهم أنه اختلقه. تفسير الجلالين: «فليأتوا بحديث» مختلق «مثله إن كانوا صادقين» في قولهم. تفسير السعدي: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ أنه تقوله، فإنكم العرب الفصحاء، والفحول البلغاء، وقد تحداكم أن تأتوا بمثله، فتصدق معارضتكم أو تقروا بصدقه، وأنكم لو اجتمعتم، أنتم والإنس والجن، لم تقدروا على معارضته والإتيان بمثله، فحينئذ أنتم بين أمرين: إما مؤمنون به، مهتدون بهديه، وإما معاندون متبعون لما علمتم من الباطل. |
أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ(35) التفسير المختصر: أم خُلقوا من غير خالق يخلقهم؟! أم هم الخالقون لأنفسهم؟! لا يمكن وجود مخلوق دون خالق، ولا مخلوق يخلق، فلم لا يعبدون خالقهم؟! تفسير الجلالين: «أم خُلقوا من غير شيء» من غير خالق «أم هم الخالقون» أنفسهم ولا يعقل مخلوق بغير خالق ولا معدوم يخلق فلابد من خالق هو الله الواحد فلم لا يوحدونه ويؤمنون برسوله وكتابه. تفسير السعدي: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ وهذا استدلال عليهم، بأمر لا يمكنهم فيه إلا التسليم للحق، أو الخروج عن موجب العقل والدين، وبيان ذلك: أنهم منكرون لتوحيد الله، مكذبون لرسوله، وذلك مستلزم لإنكار أن الله خلقهم.وقد تقرر في العقل مع الشرع، أن الأمر لا يخلو من أحد ثلاثة أمور:إما أنهم خلقوا من غير شيء أي: لا خالق خلقهم، بل وجدوا من غير إيجاد ولا موجد، وهذا عين المحال.أم هم الخالقون لأنفسهم، وهذا أيضا محال، فإنه لا يتصور أن يوجدوا أنفسهمفإذا بطل [هذان] الأمران، وبان استحالتهما، تعين [القسم الثالث] أن الله الذي خلقهم، وإذا تعين ذلك، علم أن الله تعالى هو المعبود وحده، الذي لا تنبغي العبادة ولا تصلح إلا له تعالى. |
أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ(36) التفسير المختصر: أم خلقوا السماوات والأرض؟! بل لا يوقنون أن الله هو خالقهم، إذ لو أيقنوا ذلك لوحَّدوه، ولآمنوا برسوله. تفسير الجلالين: «أم خلقوا السماوات والأرض» ولا يقدر على خلقهما إلا الله الخالق فلم لا يعبدونه «بل لا يوقنون» به وإلا لآمنوا بنبيه. تفسير السعدي: أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وهذا استفهام يدل على تقرير النفي أي: ما خلقوا السماوات والأرض، فيكونوا شركاء لله، وهذا أمر واضح جدا. ولكن المكذبين لَا يُوقِنُونَ أي: ليس عندهم علم تام، ويقين يوجب لهم الانتفاع بالأدلة الشرعية والعقلية. |
أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ(37) التفسير المختصر: أم عندهم خزائن ربك من الرزق فيمنحوه من يشاؤون، ومن النبوّة فيعطوها ويمنعوها من أرادوا؟! أم هم المُتَسلِّطون المتصرفون حسب مشيئتهم؟! تفسير الجلالين: «أم عندهم خزائن ربك» من النبوة والرزق وغيرهما فيخصوا من شاءُوا بما شاءُوا «أم هم المسيطرون» المتسلطون الجبارون وفعله سيطر ومثله بيطر وبيقر. تفسير السعدي: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ أي: أعند هؤلاء المكذبين خزائن رحمة ربك، فيعطون من يشاءون ويمنعون من يريدون؟ أي: فلذلك حجروا على الله أن يعطي النبوة عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، وكأنهم الوكلاء المفوضون على خزائن رحمة الله، وهم أحقر وأذل من ذلك، فليس في أيديهم لأنفسهم نفع ولا ضر، ولا موت ولا حياة ولا نشور. أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ أي: المتسلطون على خلق الله وملكه، بالقهر والغلبة؟ليس الأمر كذلك، بل هم العاجزون الفقراء |
أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ ۖ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ(38) التفسير المختصر: أم لهم مِرْقَاة يرقون بها إلى السماء يستمعون فيها إلى وحي الله يوحيه أنهم على حق؟! فليأت من استمع منهم إلى ذلك الوحي بحجة واضحة تصدقكم فيما تدّعونه من أنكم على حق. تفسير الجلالين: «أم لهم سلم» مرقى إلى السماء «يستمعون فيه» أي عليه كلام الملائكة حتى يمكنهم منازعة النبي بزعمهم إن ادعوا ذلك «فليأت مبين» بحجة مستمعهم مدعي الاستماع عليه «بسلطان مبين» بينة واضحة ولشبه هذا الزعم بزعمهم أن الملائكة بنات الله قال تعالى. تفسير السعدي: أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ أي: ألهم اطلاع على الغيب، واستماع له بين الملأ الأعلى، فيخبرون عن أمور لا يعلمها غيرهم؟ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ المدعي لذلك بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ وأنى له ذلك؟والله تعالى عالم الغيب والشهادة، فلا يظهر على غيبه [أحدا] إلا من ارتضى من رسول يخبره بما أراد من علمه.وإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل وأعلمهم وإمامهم، وهو المخبر بما أخبر به، من توحيد الله، ووعده، ووعيده، وغير ذلك من أخباره الصادقة، والمكذبون هم أهل الجهل والضلال والغي والعناد، فأي المخبرين أحق بقبول خبره؟ خصوصا والرسول صلى الله عليه وسلم قد أقام من الأدلة والبراهين على ما أخبر به، ما يوجب أن يكون خبره عين اليقين وأكمل الصدق، وهم لم يقيموا على ما ادعوه شبهة، فضلا عن إقامة حجة. |
أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ(39) التفسير المختصر: أم له سبحانه وتعالى البنات التي تكرهونها، ولكم البنون الذين تحبّونهم؟! تفسير الجلالين: «أم له البنات» بزعمكم «ولكم البنون» تعالى الله عما زعمتموه. تفسير السعدي: أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ كما زعمتم وَلَكُمُ الْبَنُونَ فتجمعون بين المحذورين؟ جعلكم له الولد، واختياركم له أنقص الصنفين؟ فهل بعد هذا التنقص لرب العالمين غاية أو دونه نهاية؟ |
أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ(40) التفسير المختصر: أم تطلب منهم - أيها الرسول- أجرًا على ما تبلغهم عن ربك؟! فهم بسبب ذلك مكلفون حِملًا لا يقدرون على حمله. تفسير الجلالين: «أم تسألهم أجرا» على ما جئتهم به من الدين «فهم من مغرم» غرم ذلك «مثقلون» فلا يسلمون. تفسير السعدي: أَمْ تَسْأَلُهُمْ يا أيها الرسول أَجْرًا على تبليغ الرسالة، فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ليس الأمر كذلك، بل أنت الحريص على تعليمهم، تبرعا من غير شيء، بل تبذل لهم الأموال الجزيلة، على قبول رسالتك، والاستجابة [لأمركو] دعوتك، وتعطي المؤلفة قلوبهم [ليتمكن العلم والإيمان من قلوبهم]. |
أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ(41) التفسير المختصر: أم عندهم علم الغيب فهم يكتبون للناس ما يطلعون عليه من الغيوب، فيخبرونهم بما شاؤوا منها؟! تفسير الجلالين: «أم عندهم الغيب» أي علمه «فهم يكتبون» ذلك حتى يمكنهم منازعة النبي صلى الله عليه وسلم في البعث وأمور الآخرة بزعمهم. تفسير السعدي: أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ما كانوا يعلمونه من الغيوب، فيكونون قد اطلعوا على ما لم يطلع عليه رسول الله، فعارضوه وعاندوه بما عندهم من علم الغيب؟ وقد علم أنهم الأمة الأمية، الجهال الضالون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي عنده من العلم أعظم من غيره، وأنبأه الله من علم الغيب على ما لم يطلع عليه أحدا من الخلق، وهذا كله إلزام لهم بالطرق العقلية والنقلية على فساد قولهم، وتصوير بطلانه بأحسن الطرق وأوضحها وأسلمها من الاعتراض. |
أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا ۖ فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ(42) التفسير المختصر: أم يريد هؤلاء المكذبون كيدًا بك وبدينك؟! فثقْ بالله، فالذين كفروا بالله وبرسوله هم الممكور بهم، لا أنت. تفسير الجلالين: «أم يريدون كيدا» بك ليهلكوك في دار الندوة «فالذين كفروا هم المكيدون» المغلوبون المهلكون فحفظه الله منهم ثم أهلكهم ببدر. تفسير السعدي: وقوله: أَمْ يُرِيدُونَ بقدحهم فيك وفيما جئتهم به كَيْدًا يبطلون به دينك، ويفسدون به أمرك؟ فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ أي: كيدهم في نحورهم، ومضرته عائدة إليهم، وقد فعل الله ذلك -ولله الحمد- فلم يبق الكفار من مقدورهم من المكر شيئا إلا فعلوه، فنصر الله نبيه ودينه عليهم وخذلهم وانتصر منهم. |
أَمْ لَهُمْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ(43) التفسير المختصر: أم لهم معبود بحق غير الله؟! تنزه الله وتقدس عما ينسبونه إليه من الشريك. كل ما تقدم لم يكن ولا يتصور بحال. تفسير الجلالين: «أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون» به من الآلهة والاستفهام بأم في مواضعها للتقبيح والتوبيخ. تفسير السعدي: أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ أي: ألهم إله يدعى ويرجى نفعه، ويخاف من ضره، غير الله تعالى؟ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ فليس له شريك في الملك، ولا شريك في الوحدانية والعبادة، وهذا هو المقصود من الكلام الذي سيق لأجله، وهو بطلان عبادة ما سوى الله وبيان فسادها بتلك الأدلة القاطعة، وأن ما عليه المشركون هو الباطل، وأن الذي ينبغي أن يعبد ويصلى له ويسجد ويخلص له دعاء العبادة ودعاء المسألة، هو الله المألوه المعبود، كامل الأسماء والصفات، كثير النعوت الحسنة، والأفعال الجميلة، ذو الجلال والإكرام، والعز الذي لا يرام، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الكبير الحميد المجيد. |
وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ(44) التفسير المختصر: وإن يروا قطعًا من السماء ساقطة يقولوا عنه: هذا سحاب متراكم بعضه على بعض كالعادة، فلا يتعظون، ولا يؤمنون. تفسير الجلالين: (وإن يروا كسفا) بعضا (من السماء ساقطا) عليهم كما قالوا: "" فأسقط علينا كسفا من السماء "" أي تعذيبا لهم (يقولوا) هذا (سحاب مركوم) متراكب نروى به ولا يؤمنون. تفسير السعدي: يقول تعالى في [ذكر] بيان أن المشركين المكذبين بالحق الواضح، قد عتوا [عن الحق] وعسوا على الباطل، وأنه لو قام على الحق كل دليل لما اتبعوه، ولخالفوه وعاندوه، وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا أي: لو سقط عليهم من السماء من الآيات الباهرة كسف أي: قطع كبار من العذاب يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ أي: هذا سحاب متراكم على العادة أي: فلا يبالون بما رأوا من الآيات ولا يعتبرون بها، وهؤلاء لا دواء لهم إلا العذاب والنكال |
فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ(45) التفسير المختصر: فاتركهم - أيها الرسول - في عنادهم وجحودهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يعذبون، وهو يوم القيامة. تفسير الجلالين: «فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون» يموتون. تفسير السعدي: فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ وهو يوم القيامة الذي يصيبهم [فيه] من العذاب والنكال، ما لا يقادر قدره، ولا يوصف أمره. |
يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ(46) التفسير المختصر: يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئًا قليلًا أو كثيرًا، ولا هم ينصرون بإنقاذهم من العذاب. تفسير الجلالين: «يوم لا يغني» بدل من يومهم «عنهم كيدهم شيئا ولا هم يُنصرون» يمنعون من العذاب في الآخرة. تفسير السعدي: يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا أي: لا قليلا ولا كثيرا، وإن كان في الدنيا قد يوجد منهم كيد يعيشون به زمنا قليلا، فيوم القيامة يضمحل كيدهم، وتبطل مساعيهم، ولا ينتصرون من عذاب الله وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ |
وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَٰلِكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(47) التفسير المختصر: وإن للذين ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي عذابًا قبل عذاب الآخرة؛ في الدنيا بالقتل والسبي، وفي البَرْزَخ بعذاب القبر، ولكنّ معظمهم لا يعلمون ذلك، فلذلك يقيمون على كفرهم. تفسير الجلالين: «وإنَّ للذين ظلموا» بكفرهم «عذابا دون ذلك» في الدنيا قبل موتهم فعذبوا بالجوع والقحط سبع سنين وبالقتل يوم بدر «ولكن أكثرهم لا يعلمون» أن العذاب ينزل بهم. تفسير السعدي: لما ذكر [الله] عذاب الظالمين في القيامة، أخبر أن لهم عذابا دون عذاب يوم القيامة وذلك شامل لعذاب الدنيا، بالقتل والسبي والإخراج من الديار، ولعذاب البرزخ والقبر، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أي: فلذلك أقاموا على ما يوجب العذاب، وشدة العقاب. |
وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ(48) التفسير المختصر: واصبر - أيها الرسول - لقضاء ربك، ولحكمه الشرعي، فإنك بمرأى منا وحفظ، وسبح بحمد ربك حين تقوم من نومك. تفسير الجلالين: «واصبر لحكم ربك» بإمهالهم ولا يضق صدرك «فإنك بأعيننا» بمرأى منا نراك ونحفظك «وسبح» متلبسا «بحمد ربك» أي قل: سبحان الله وبحمده «حين تقوم» من منامك أو من مجلسك. تفسير السعدي: ولما بين تعالى الحجج والبراهين على بطلان أقوال المكذبين، أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يعبأ بهم شيئا، وأن يصبر لحكم ربه القدري والشرعي بلزومه والاستقامة عليه، ووعده الله بالكفاية بقوله: فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا أي: بمرأى منا وحفظ، واعتناء بأمرك، وأمره أن يستعين على الصبر بالذكر والعبادة، فقال: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ أي: من الليل. |
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ(49) التفسير المختصر: ومن الليل فسبّح ربك، وصلّ له، وصلّ صلاة الفجر حين إدبار النجوم بأفولها بضوء النهار. تفسير الجلالين: «ومن الليل فسبحه» حقيقة أيضا «وإدبار النجوم» مصدر، أي عقب غروبها سبحه أيضا، أو صلّ في الأول العشاءين، وفي الثاني الفجر وقيل الصبح. تفسير السعدي: ففيه الأمر بقيام الليل، أو حين تقوم إلى الصلوات الخمس، بدليل قوله: وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ أي: آخر الليل، ويدخل فيه صلاة الفجر، والله أعلم.تم تفسير سورة والطور والحمد لله |