من أول الناس إجازة؟ فقراء المهاجرين

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإن حديث ثوبان مولى رسول الله ﷺ هذا حديث عظيم، رواه الإمام مسلم في صحيحه، وفيه من الفوائد والعبر ما ينبغي الوقوف عنده وتدبره. وإليكم الشرح الوافي لهذا الحديث على النحو التالي:

---

1. شرح المفردات:

● حَبْر: العالم الكبير من علماء اليهود.
● دفعته دفعة: أي دفعه النبي ﷺ دفعة قوية.
● كاد يصرع منها: كاد يسقط على الأرض من شدة الدفع.
● نكت بعود: يعني أن النبي ﷺ كان يخط أو ينكت بعصا في الأرض أثناء الحديث.
● يتبدّل الأرض غير الأرض والسموات: أي يوم القيامة عندما تُستبدل الأرض والسموات بأرض وسموات أخرى.
● الظلمة دون الجسر: الظلمة قبل الصراط.
● إجازة: عبور الصراط.
● تحفتهم: هديتهم أو ما يُقدم لهم.
● كبد النون: كبد الحوت، وهو ما ابتلعه النبي يونس عليه السلام عندما كان في بطن الحوت.
● ثور الجنة: ثور عظيم في الجنة.
● سلسبيلا: عين في الجنة ماؤها عذب وسهل المرور في الحلق.
● منيّ الرجل: ماء الرجل.
● منيّ المرأة: ماء المرأة.
● أذكرا: يكون المولود ذكرًا.
● آنثا: يكون المولود أنثى.

---

2. شرح الحديث:

يبدأ الحديث بأن ثوبان مولى رسول الله ﷺ كان واقفًا عنده، فجاء حبر يهودي وسلّم على النبي ﷺ قائلاً: "السلام عليك يا محمد!" دون أن يخاطبه بلفظ الرسالة أو النبوة، فدفعه النبي ﷺ دفعة قوية، لأن اليهودي تعمّد عدم إظهار الاحترام اللائق برسول الله ﷺ. وعندما استفسر اليهودي عن سبب الدفع، بيّن ثوبان أنه كان ينبغي عليه أن يقول: "يا رسول الله" تكريمًا للنبي ﷺ. فاعترض اليهودي بأنهم يدعونه باسمه الذي سماه به أهله، فأكد النبي ﷺ أن اسمه محمد الذي سماه به أهله.
ثم شرع اليهودي في سؤال النبي ﷺ عن أمور غيبية ليمتحن نبوته، فبدأ النبي ﷺ بسؤاله: "أينفعك شيء إن حدثتك؟" ليبين له أن العلم النافع هو ما يُعمل به، فأجاب اليهودي بأنه يريد أن يسمع فقط. فأذن له النبي ﷺ بالسؤال.
فسأل اليهودي عن مكان الناس يوم القيامة عندما تُبدّل الأرض والسموات، فأجابه النبي ﷺ أنهم يكونون في الظلمة قبل الصراط. ثم سأل عن أول الناس عبورًا للصراط، فأجابه بأنهم فقراء المهاجرين. ثم سأل عن هديتهم عند دخول الجنة، فأجابه بأنها زيادة كبد النون (أي كبد الحوت الذي كان مع يونس عليه السلام). ثم سأل عن غذائهم بعد ذلك، فأجابه بأنه ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها. ثم سأل عن شرابهم، فأجابه بأنه من عين سلسبيل.
فأقر اليهودي بصدق النبي ﷺ، ثم سأله عن أمر لا يعلمه إلا نبي أو رجل أو رجلان، وهو عن كيفية خلق الولد وجنسه. فأجابه النبي ﷺ بأن ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة يكون المولود ذكرًا بإذن الله، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل يكون المولود أنثى بإذن الله. فأقر اليهودي بصدقه وأنه نبي، ثم انصرف.
وفي نهاية الحديث، بيّن النبي ﷺ أنه لم يكن يعلم هذه الإجابات من قبل، ولكن الله تعالى ألهمه إياها حين سُئل عنها.

---

3. الدروس المستفادة منه:

● وجوب احترام النبي ﷺ وتوقيره: وذلك من خلال دفعه لليهودي عندما لم يخاطبه بأدب الخطاب.
● إثبات نبوة محمد ﷺ: حيث أجاب على أسئلة اليهودي الغيبية التي لا يعلمها إلا نبي.
● العلم اللدني: أن الله تعالى يعلم نبيه ما لا يعلمه من قبل، عندما يحتاج إلى ذلك.
● الإيمان بالغيب: الحديث يؤكد أحداث يوم القيامة والصراط والجنة وما فيها.
● الإعجاز العلمي: في وصف كيفية تحديد جنس الجنين، وهو ما أثبته العلم الحديث.
● الحكمة في الدعوة: استخدام النبي ﷺ للأسلوب الحكيم في الحوار مع غير المسلمين.
● فضل فقراء المهاجرين: أنهم أول الناس عبورًا على الصراط.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث من الأحاديث التي تثبت علم الغيب للنبي ﷺ بوحي من الله تعالى.
- فيه إشارة إلى الإعجاز العلمي في حديث النبي ﷺ عن تحديد جنس الجنين، حيث بيّن أن الأمر يعتمد على أي المنيتين تغلب، وهو ما كشفه العلم الحديث في القرن العشرين.
- الحديث يظهر أدب الصحابة مع النبي ﷺ، كما في موقف ثوبان عندما أنكر على اليهودي عدم تأدبه في الخطاب.
- فيه بيان لحالة الناس يوم القيامة وأهوالها، وما يحدث من تبديل الأرض والسموات.
أسأل الله تعالى أن ينفعنا بهذا الحديث، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.