الذي لا يأمن جاره بوائقه

حديث: الذي لا يأمن جاره بوائقه

عن أبي شريح، أن النبي ﷺ قال: «والله! لا يؤمن، والله! لا يؤمن، والله! لا يؤمن» قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه».

صحيح: رواه البخاري في الأدب (٦٠١٦) عن عاصم بن علي، حدثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد، عن أبي شريح، فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن ينفعنا بما نسمع ونقول.
هذا حديث عظيم من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، الذي جاء ليتمم مكارم الأخلاق، ويبني مجتمعاً قوياً متماسكاً، تسوده المحبة والأمان. وها هو يربط في هذا الحديث بين كمال الإيمان وحسن الجوار.
### أولاً. نص الحديث ومصدره
● النص: عن أبي شريح، أن النبي ﷺ قال: «وَاللَّهِ! لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ! لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ! لَا يُؤْمِنُ» قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ».
● المصدر: أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (كتاب الأدب، باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه)، والإمام مسلم في صحيحه (كتاب الإيمان، باب بيان أن لا يدخل الجنة إلا المؤمنون).
### ثانياً. شرح المفردات
● لا يؤمن: أي لا يكون إيمانه كاملاً ولا يصل إلى درجة الإيمان الواجب.
● جاره: الجار في الإسلام له مفهوم واسع، يشمل من يجاورك في السكن، وقد ي扩展到 إلى أربعين بيتاً، كما في بعض الآثار، لكن المقصود الأقرب هو من يليك مباشرة.
● بوائقه: جمع "بائقة"، وهي الشرور والأذى والمكاره التي تصيب الإنسان من جاره. فمعنى "لا يأمن جاره بوائقه" أي: جاره خائف من شره وأذاه، لا يطمئن إليه ولا يأمن أن يصيبه منه مكروه.
### ثالثاً. شرح الحديث
يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم كلامه بثلاث أقسام متتالية بالله تعالى: «وَاللَّهِ! لَا يُؤْمِنُ»، وهذا التكرار والتأكيد بالأقسام يدل على عظم الأمر وخطورته، وأنه ليس أمراً هيناً يمكن التهاون فيه.
ثم بين صلى الله عليه وسلم من هو هذا الذي لا يؤمن إيماناً كاملاً، فقال: «الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقه». أي أن الإنسان الذي يكون جاره خائفاً منه، متوجساً من أذاه، مترقباً لشروره، سواء كان هذا الأذى باللسان من شتم أو غيبة، أو بالجوارح من ضرب أو اعتداء، أو حتى بإيذاء الأذن والبصر كرفع الصوت المزعج أو إطلاق النظر إلى ما حرم الله، فإن إيمان هذا الشخص ناقص غير كامل.
وهنا تنبيه مهم: الحديث لا يعني أن هذا الشخص كافر خارج من الملة، بل يعني أن إيمانه ناقص، لأنه لم يلتزم بحقوق الجوار التي أوجبها الإسلام، فلم يصل إيمانه إلى الدرجة الكاملة التي يبلغها من يحسن إلى جاره ويأمنه شروره.
### رابعاً. الدروس المستفادة والعبر
1- عظم حق الجار في الإسلام: لقد أولى الإسلام عناية فائقة بحق الجار، حتى جاء الأمر بالإحسان إليه مقروناً بعبادة الله تعالى والإحسان إلى الوالدين والأقارب في سورة النساء: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36].
2- الارتباط الوثيق بين الإيمان والأخلاق: يربط النبي صلى الله عليه وسلم بين كمال الإيمان وحسن الخلق مع الجار. فالإيمان ليس مجرد شعائر تعبدية فقط، بل هو أخلاق ومعاملات.
3- تحريم أذى الجار: الحديث تحذير صريح من إيذاء الجار بأي شكل من الأشكال، وجعل ذلك منافياً لكمال الإيمان.
4- المجتمع الآمن هو ثمرة الإيمان: عندما يتحلى أفراد المجتمع بحسن الجوار، ويأمن كل جار شر جاره، ينشأ مجتمع يسوده الأمان والطمأنينة، وهو الهدف الذي يسعى الإسلام لتحقيقه.
5- التخويف من عاقبة إيذاء الجار: إذا كان من لا يأمن جاره بوائقه ناقص الإيمان، فهذا تهديد ووعيد له، يحثه على مراجعة نفسه وتصحيح سلوكه.

خامساً:

تطبيق عملي
لكي نكون ممن يأمنهم جيرانهم، علينا:
● كف الأذى: بأن نحترم خصوصية جارنا، ونحفظ سمعه وبصره من آذاننا وأبصارنا، ولا نرفع أصواتنا بما يزعجه.
● بذل الإحسان: بأن نقدم له المساعدة إذا احتاج، ونعوده إذا مرض، ونشاركه في أفراحه وأتراحه.
● الصبر على أذى الجار: إن صدر منه أذى، فليكن ردنا بالإحسان، لقوله صلى الله عليه وسلم: «وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ مِنْ أَذَى جَارِكَ، فَإِنَّهُ خَيْرٌ لَكَ عِنْدَ اللَّهِ» (رواه الطبراني، وهو حسن).
نسأل الله تعالى أن يعيننا على حقوق جيراننا، وأن نكون ممن يأمنهم جيرانهم، وأن يتم إيماننا بذلك.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاري في الأدب (٦٠١٦) عن عاصم بن علي، حدثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد، عن أبي شريح، فذكره.
وقال البخاري عقبه: «تابعه شبابة، وأسد بن موسى، وقال حميد بن الأسود، وعثمان بن عمر، وأبو بكر بن عياش، وشعيب بن إسحاق، عن ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة» اهـ.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 306 من أصل 1112 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: الذي لا يأمن جاره بوائقه

📜 حديث: الذي لا يأمن جاره بوائقه

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: الذي لا يأمن جاره بوائقه

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: الذي لا يأمن جاره بوائقه

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: الذي لا يأمن جاره بوائقه

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية