المرأة الصالحة والمسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل السعادة في الدنيا والآخرة.
هذا الحديث الشريف الذي رواه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وهو من الصحابة العشرة المبشرين بالجنة، يضع لنا النبي صلى الله عليه وسلم معالم مهمة في طريق السعادة الدنيوية، ويحذرنا من معاقل الشقاوة فيها.

---

أولاً. شرح المفردات:

● السعادة: في اللغة: ضد الشقاوة، وهي الحالة التي يكون عليها الإنسان من سرور وفرح وطمأنينة.
● الشقاوة: ضد السعادة، وتعني التعاسة والضيق والهم.
● المركب الهنيء: المركب: ما يُركب من الدواب أو السفن أو السيارات في زماننا. الهنيء: السهل المريح الذي لا يتعب صاحبه.
● المركب السوء: هو الذي يتعب صاحبه ويكون سبباً في تعاسته ومشقته.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يعدد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أربعة أمور دنيوية إذا توفرت للإنسان كانت سبباً في سعادته وطمأنينته، وأربعة أمور إذا حلت به كانت مصدر شقاء وتعاسة له.
أربع من السعادة:
1- المرأة الصالحة: وهي التي تحفظ زوجها في نفسها وماله، وتقوم بحقوقه، وتطيعه في المعروف، وتعينه على طاعة الله، فتكون قرة عين له، كما قال تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ} [النساء: 34]. وجودها نعمة عظيمة تستر الزوج وتؤنس وحشته وتُربّي أولاده، فهي عماد الأسرة السعيدة.
2- المسكن الواسع: وهو السكن الذي يسع الإنسان وأهله comfortably، بحيث لا يشعر بضيق المكان وكثرة المشاكل بسبب الزحام، فيأمن فيه على نفسه وأهله، ويجد راحته وسكينته. وهو من النعم التي تذكر بنعمة الله، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} [النحل: 80].
3- الجار الصالح: الجار له حق عظيم في الإسلام. والجار الصالح هو الذي يؤذي جاره، بل يحفظه ويحترمه ويعينه إذا احتاج، فيشعر الإنسان بالأمان والطمأنينة بجواره. قال صلى الله عليه وسلم: «مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» (متفق عليه).
4- المركب الهنيء: وهو وسيلة النقل المريحة والمناسبة التي تقضي حاجة صاحبها دون أن تكون مصدر تعب أو هم أو نفقة باهظة، فتيسر عليه أمور حياته وتنقله إلى عمله وزيارة أرحامه وغير ذلك من المصالح.
وأربع من الشقاوة:
1- الجار السوء: وهو الذي يؤذي جاره بقول أو فعل، فيتتبع عوراته، أو يسبب له الضرر أو الإزعاج، فيحرم جاره من نعمة الأمان والراحة في بيته، وهي من أعظم المصائب.
2- المرأة السوء: وهي التي تكون سيئة الخلق، لا تقوم بحقوق زوجها، ولا تحفظه في نفسها أو ماله، وتنشر الشقاق في البيت، وتجلب الهم والحزن لزوجها، فتفسد عليه حياته وأولاده.
3- المسكن الضيق: وهو الذي لا يسع الإنسان وأهله، فيشعر فيه بالضيق والاختناق، ويكون سبباً في النزاع والمشاكل الأسرية، لعدم توفر مساحة للراحة والخصوصية.
4- المركب السوء: وهو وسيلة النقل التي تسبب لصاحبها المتاعب والمشاكل، إما بكثرة الأعطال، أو النفقة الباهظة، أو عدم الملاءمة، فتصبح مصدراً للهم والقلق بدلاً أن تكون وسيلة راحة وتيسير.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- السعادة الحقيقية: يبين الحديث أن السعادة ليست في جمع المال فقط، بل في توفر أسباب الراحة والطمأنينة في الحياة اليومية، والتي تتمثل في العلاقات الطيبة (الزوج، الجار) والبيئة المناسبة (المسكن، المركب).
2- نعمة الاستقرار: الأمور الأربعة للسعادة كلها تدور حول تحقيق الاستقرار النفسي والمادي للإنسان، مما يمكنه من عبادة الله تعالى وعباده على أكمل وجه.
3- الحكمة من ذكر المال والزوج: جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين عنصرين ماديين (المسكن، المركب) وعنصرين معنويين (الزوجة، الجار)، ليدل على أن السعادة تكمن في التوازن بين الجانبين.
4- تقديم النفع والدفع: الحديث يرشدنا إلى السعي في تحصيل أسباب الساعة (بطلب الزوجة الصالحة، والسكن الواسع، etc.) والابتعاد عن أسباب الشقاوة (بالصبر على جار السوء أو تغييره إذا أمكن، والتحري في اختيار الزوجة، etc.).
5- أن هذه سعادة دنيوية: يجب أن نتذكر أن هذه سعادة مؤقتة في الدنيا، وأن السعادة الحقيقية الدائمة هي في الجنة. فمن حُرِم هذه الأمور في الدنيا فليصبر ويحتسب، وعسى أن يكون ذلك تكفيراً لسيئاته ورفعةً لدرجاته.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

● درجة الحديث: رواه الإمام أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وهو حسن.
● المركب في عصرنا: يشمل اليوم السيارات والدراجات النارية وكل وسائل المواصلات الحديثة.
- **ال