خسفت الشمس فقام النبي فزعًا يخشى أن تكون الساعة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يفتح علينا أبواب فهم سنّة نبيه ﷺ. هذا حديث عظيم من الأحاديث التي تُبيّن موقف النبي ﷺ من حوادث الكون العظيمة، وكيفية التعامل معها إيمانياً. وسأشرحه لك جزءاً جزءاً مستعيناً بالله، معتمداً على كبار شرّاح الحديث من أهل السنة والجماعة.
### أولاً. تخريج الحديث
هذا الحديث رواه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى. وهو من رواية الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

### ثانياً. شرح المفردات
● خسفتِ الشمس: أي كُسِفت، وحصل لها انكساف وظلمة.
● فزِعًا: خائفًا مرتعبًا.
● يخشى أن تكون الساعة: يخاف أن تكون قد قامت القيامة.
● بأطول قيامٍ وركوعٍ وسجود: أي أن صلاته ﷺ للكسوف كانت طويلة جدًا في كل أركانها (القيام، والركوع، والسجود)، أكثر من أي صلاة أخرى رآها أبو موسى منه ﷺ.
● الآيات: العلامات والدلائل الكونية العظيمة.
● يُخَوِّف بها عبادَه: يجعلها سببًا لخوفهم من الله وتقواهم له.
● فافزعوا إلى ذكره: فأسرعوا مسرعين إلى الإكثار من ذكر الله.

### ثالثاً. المعنى الإجمالي للحديث
يخبرنا الصحابي أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن الشمس كُسفت في عهد النبي ﷺ، وهذا حدثٌ عظيمٌ أثار الخوف. فقام النبي ﷺ مسرعاً إلى المسجد وهو في حالة خوف ورهبة من الله، خشية أن يكون هذا الكسوف علامة على قيام الساعة.
ثم صلى ﷺ صلاة الكسوف، وكانت صلاة متميزة بطول القيام والركوع والسجود بشكل غير مألوف، حتى إن أبي موسى لم يرَ النبي ﷺ يصلي مثلها قط. بعد أن فرغ من الصلاة، خطب في الناس وبيّن لهم حكمة الله من هذه الظواهر الكونية، فقال: إن هذه الآيات العظيمة (مثل الكسوف) التي يرسلها الله ليست مرتبطة بموت شخص أو حياته، كما كان يعتقد الناس في الجاهلية، بل إنما يرسلها الله تعالى ليعظ بها عباده ويخوفهم من عقابه، حتى يرجعوا إليه ويتوبوا.
لذلك، فإن الواجب على المسلم إذا رأى مثل هذه الآية أن يسرع إلى الطاعات التي تقربه من الله، وهي: ذكر الله، ودعاؤه، والاستغفار من الذنوب.

### رابعاً. الدروس المستفادة والعبر
1- خوف النبي ﷺ من الله: يظهر الحديث شدة خوف النبي ﷺ من الله تعالى ورهبته منه، وهو الذي غُفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وهذا درس للمسلم أن يكون خائفاً مراقباً لله في كل أحواله.
2- السنة العملية عند الكسوف: سنَّ النبي ﷺ لأمته كيفية التعامل مع كسوف الشمس، وهي الصلاة بطول القيام والركوع والسجود، والدعاء والاستغفار والذكر. وهي صلاة تسمى "صلاة الكسوف".
3- تصحيح المعتقدات: صحح النبي ﷺ المعتقد الخاطئ عند العرب في الجاهلية، حيث كانوا يربطون الكسوف بموت عظيم أو ولادته. فأخبر ﷺ أن هذه ظواهر كونية جرت بقدر الله لحكم عظيمة، وليس لها علاقة بأحد من البشر.
4- الحكمة من الآيات الكونية: بيّن الحديث الحكمة الإلهية من هذه الظواهر، وهي تخويف العباد ليرجعوا إلى الله ويتوبوا ويستغفروه. فهي ليست مجرد ظواهر طبيعية جامدة، بل هي مواعظ وآيات تدل على عظمة الخالق وقدرته.
5- الواجب عند نزول الآيات: حدد النبي ﷺ الواجب على المسلم عند رؤية هذه الآيات، وهو الفزع إلى الله بثلاثة أمور:
● ذكره: بالإكثار من التسبيح والتهليل والتحميد.
● دعائه: بسؤاله والالتجاء إليه.
● استغفاره: طلب المغفرة من الذنوب والمعاصي.
6- الاستعداد للآخرة: خوف النبي ﷺ من أن تكون الساعة يدل على وجوب استحضار قيام الساعة واستعداد المسلم لها بالعمل الصالح.

---

خامساً:

معلومات إضافية مفيدة
● حكم صلاة الكسوف: هي سنة مؤكدة عن النبي ﷺ، ويصليها المسلمون في المسجد جماعة.
● كيفيتها: تُصلَّى ركعتين، في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان وسجودان.
● الدعاء فيها: يشرع للإمام أن يطيل القراءة والدعاء والاستغفار، خاصة في الركوع والسجود.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يعتبر بآياته، ويخاف منه حق الخوف، ويفزع إليه عند الشدائد.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.