قال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علي شيئا فحبست عليه

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا جميعاً لفهم سنة نبيه ﷺ والعمل بها.
هذا الحديث العظيم الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، وأخرجه الإمام البخاري في صحيحه، يحكي قصة نبي من أنبياء الله تعالى قبْل بعثة نبينا محمد ﷺ، وهي قصة مليئة بالعبر والدروس العظيمة.

---

أولاً. شرح المفردات:

● غزا نبي من الأنبياء: خرج هذا النبي للقتال في سبيل الله.
● ملك بُضْع امرأة: أي تزوج امرأة وعقد عليها ولكن لم يدخل بها بعد.
● يَبني بها: يقصد به الدخول بها وإتمام الزواج.
● خلفات: إناث الإبل الحوامل التي على وشك الولادة.
● أدنى للقرية: اقترب من القرية أو البلدة التي يريد قتال أهلها.
● حبست عليه: توقفت عن الحركة ومضيّ الوقت بأمر الله.
● الغلول: الخيانة في الغنيمة وأخذ شيء منها بغير حق قبل القسمة.
● ليبايعني: ليعاهدني ويصافحني.
● فلصقت يد رجل بيده: لم تتم المبايعة بشكل طبيعي، فكانت يد الرجل تلتصق بيد النبي كعلامة على خيانته.
● مثل رأس بقرة من ذهب: قطعة من الذهب بحجم رأس البقرة.
● الصعيد: الأرض.
● فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا: لم يكن يحل لأمم قبلنا أخذ الغنائم، وكانت تُجمع ويُنزل عليها النار من السماء فتأكلها إذا قُبلت، أو تتركها إذا رُفِضت لوجود غلول.

---

ثانياً. شرح الحديث:

1- اشتراط التفرغ للجهاد: بدأ النبي عليه السلام بنداء قومه للجهاد، واستثنى ثلاثة أصناف من الرجال لا ينبغي أن يخرجوا معه لأن شواغل الدنيا قد تشغلهم عن الجهاد الكامل:
- الرجل المتزوج حديثاً الذي لم يدخل بزوجته بعد، فهو مشغول القلب بها ومتلهف لإتمام الزواج.
- الذي بنى داراً ولم يكمل سقفها، فهو حريص على إكمال بنائها.
- الذي اشترى ماشية حوامل وينتظر نتاجها، فهو مشغول بها وبتجارتها.
هذا يعلمنا أن الجهاد في سبيل الله يحتاج إلى تفرغ القلب والهمة، وأن مشاغل الدنيا -ولو كانت مباحة- قد تضعف العزيمة.
2- معجزة إمساك الشمس: عندما وصل النبي وجيشه إلى القرية وقت العصر، خشي أن يفوتهم وقت الصلاة وهم منشغلون بالقتال، فدعا الله أن يحبس الشمس حتى يفتح الله عليه، فاستجاب الله له وأمسك الشمس عن الحركة حتى تحقق النصر. وهذه من معجزات الله لأنبيائه، وتظهر مكانة الصلاة وأهمية المحافظة على أوقاتها حتى في أحلك الظروف.
3- الغلول وخيانة الأمانة: بعد النصر وجمع الغنائم، أُشعلت نار لأكلها (وهي علامة القبول من الله للغنيمة)، فأبت النار أن تأكلها. فهم النبي أن هناك خيانة (غلول) في الغنيمة. هنا تظهر حكمة النبي في التدرج في اكتشاف المذنب، فطلب مبايعة رجل من كل قبيلة، حتى اكتشف القبيلة التي فيها الغلول، ثم الأشخاص المذنبين.
4- التوبة وإرجاع الحق: عندما أقر المذنبون بفعلتهم وأخرجوا ما أخذوه (قطعة ذهب)، ووضعوها مع الغنائم، قبلت النار الغنيمة وأكلتها. وهذا يدل على أن إرجاع الحقوق إلى أهلها يمحو الإثم ويزيل الغضب.
5- فضل الله على هذه الأمة: ختم النبي ﷺ الحديث بقوله: "فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا، ذلك بأن الله رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا". أي أن أمة محمد ﷺ قد أحل الله لها الغنائم، وهذه منة من الله ورحمة بهذه الأمة، حيث جعل لها في المال المغانم ما يقويها ويعينها على الجهاد.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة:

1- الجهاد يحتاج إلى كمال التفرغ والإخلاص: فلا ينبغي أن يشغل الجندي عن جهاده شيء من مشاغل الدنيا، ولو كانت مباحة.
2- المحافظة على الصلاة: حتى في ساحة القتال والجهاد، يجب المحافظة على الصلاة في وقتها.
3- تحريم الغلول وخيانة الأمانة: وأن ذلك من الكبائر التي تسبب غضب الله وهزيمة الأمة.
4- الحكمة في معالجة الأخطاء: التدرج في اكتشاف الخطأ ومعالجته بحكمة وروية، كما فعل النبي في القصة.
5- أهمية التوبة وإرجاع الحقوق: فإن إرجاع الحقوق إلى أهلها يكفر الذنب ويرضي الله تعالى.
6- شكر نعمة الله علينا: حيث أحل لنا الغنائم رحمة بنا وتخفيفاً علينا، فنشكره على هذه النعمة.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- هذا الحديث من أحاديث الجهاد التي تبين آدابه وأحكامه.
- فيه إثبات كرامات الأنبياء ومعجزاتهم، كإمساك الشمس.
- فيه بيان أن الشرائع السابقة كانت فيها أحكام تشبه أحكامنا، ولكن الله خص هذه الأمة ببعض التخفيفات والرحمة.
أسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يعيننا على طاعته واجتناب معصيته.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.