من يحول بينه وبين التوبة

حديث: من يحول بينه وبين التوبة

عن أبي سعيد الخدري أن نبي الله ﷺ قال: «كان فيمن كان قبلكم رجل قتل
تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدُلَّ على راهب، فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا، فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله، فكمّل به مائة، ثم سأل عن أهل الأرض فدُلَّ على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا. فإن بها أناسًا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك؛ فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق فأتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط. فأتاهم ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم. فقال: قِيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيتهما كان أدنى، فهو له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضتْه ملائكةُ الرحمة».

متفق عليه: رواه البخاري في أحاديث الأنبياء (٣٤٧٠) ومسلم في التوبة (٢٧٦٦ - ٤٦) كلاهما من طريق قتادة، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري .

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الذي ذكرته هو حديث عظيم من أحاديث الرجاء والتوبة، يرويه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، وإليك شرحه الوافي على النحو التالي:

أولاً. شرح المفردات:

● راهب: الشخص المتعبد في الصومعة، وكان هذا قبل بعثة النبي ﷺ.
● توبة: الرجوع إلى الله تعالى، والندم على المعصية، والعزم على عدم العودة.
● اختصمت فيه: تحاكمت وتنازعت في شأنه.
● ملائكة الرحمة وملائكة العذاب: الملائكة الموكلون بقبض أرواح المؤمنين والكافرين.
● قِيسوا ما بين الأرضين: احسبوا المسافة بين الأرض التي خرج منها والأرض التي قصدها.

ثانيًا. شرح الحديث:

يحكي النبي ﷺ قصة رجل من الأمم السابقة قتل تسعة وتسعين إنسانًا، ثم شعر بالندم وأراد التوبة. فسأل عن أعلم الناس في زمانه ليعرف إن كانت توبته مقبولة، فدُل على راهبٍ متعبد، لكنه لم يكن عالمًا شرعيًا حقيقيًا، فأخبره بأنه لا توبة له، فقتله ليصبح عدد القتلى مائة.
ثم سأل عن عالم حقًا، فدُل على رجل عالم، فسأله: "هل لي توبة بعد أن قتلت مائة نفس؟" فأجابه العالم بأن باب التوبة مفتوح، ولا يحول بين العبد والتوبة شيء إلا الموت أو الشرك بالله. وأمره أن يهاجر من أرضه لأنها أرض معصية، وينتقل إلى أرض صالحة يعبد الله فيها مع أهل الخير.
فخرج الرجل مهاجرًا، وفي منتصف الطريق جاءه الموت، فتنازعت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب في شأنه: ملائكة العذاب قالوا: إنه لم يعمل خيرًا قط، وملائكة الرحمة قالوا: إنه خرج تائبًا مهاجرًا إلى الله. فحكم بينهم ملك في صورة آدمي، وأمرهم أن يقيسوا المسافة بين الأرض التي خرج منها والأرض التي قصدها، فإن كان أقرب إلى الأرض الصالحة فهو من أهل الرحمة، وإلا فهو من أهل العذاب. فقاسوا فوجدوه أقرب إلى الأرض الصالحة، فقبضت روحه ملائكة الرحمة.

ثالثًا. الدروس المستفادة:

1- سعة رحمة الله تعالى: التوبة مقبولة حتى من أعظم الذنوب كالقتل، ما دام العبد لم يصل إلى حالة الغرغرة أو طلوع الشمس من مغربها.
2- أهمية الهجرة من بلاد المعاصي: الانتقال من البيئة الفاسدة إلى البيئة الصالحة يعين على الطاعة والتوبة.
3- ضرورة سؤال العلماء الربانيين: العالم الرباني يعرف نصوص الوحي ويطبقها برحمة وحكمة، بخلاف الجاهل أو المتعبد بغير علم.
4- النية الخالصة تغير المصير: الرجل خرج بتوبة صادقة ونيّة صالحة، فكتب الله له أجر الهجرة وإن مات في الطريق.
5- الموت على الخير: من عزم على عمل صالح ولم يتمه بسبب الموت، فإن الله يكتب له أجر العمل كاملاً.

رابعًا. معلومات إضافية:

- هذا الحديث يدل على أن التوبة تجب ما قبلها، وأن الله يقبل توبة العبد وإن عظمت ذنوبه.
- فيه إشارة إلى فضل العلماء وفضل طلب العلم، وأن الجهل قد يؤدي إلى الضلال والهلاك.
- الحديث يبعث على الأمل والتفاؤل، ويحذر من اليأس من رحمة الله، قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].
أسأل الله تعالى أن يتوب علينا ويغفر ذنوبنا، وأن يوفقنا لطاعته ورضاه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاري في أحاديث الأنبياء (٣٤٧٠) ومسلم في التوبة (٢٧٦٦ - ٤٦) كلاهما من طريق قتادة، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري .. فذكره، وهذا لفظ مسلم، وفي لفظ البخاري: «كان في بني إسرائيل ...» وزيادة بعد قوله: «فأدركه الموت»: «فناء بصدره نحوها» كما زاد قوله: «فأوحى الله إلى هذه أن تقربي، وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي» وقال: «فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفره له». وفي لفظ مسلم: «فكان إلى القرية الصالحة أقرب منها بشبر فجعل من أهله».

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب

معلومات عن حديث: من يحول بينه وبين التوبة

📜 حديث: من يحول بينه وبين التوبة

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: من يحول بينه وبين التوبة

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: من يحول بينه وبين التوبة

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: من يحول بينه وبين التوبة

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية