حديث: قصة السيدة هاجر أم اسماعيل
📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة
باب ما جاء في أخبار إسماعيل بن إبراهيم ﵉
فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدًا فلم تر أحدًا، فهبطت من الصفا، حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدًا، فلم تر أحدًا، ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس: قال النبي ﷺ: «فذلك سعي الناس بينهما» فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت: صَهٍ - تريد نفسها - ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه - أو قال: بجناحه - حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف.
قال ابن عباس: قال النبي ﷺ: «يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم - أو قال: لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا» قال: فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة، فإن ها هنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله، وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية، تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم - أو أهل بيت من جرهم - مقبلين من طريق كداء، فنزلوا في أسفل مكة، فرأوا طائرا عائفا فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء لعهدُنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جريا - أو جريين - فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا - قال: وأم إسماعيل عند الماء - فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ فقالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء. قالوا: نعم. قال ابن عباس: قال النبي ﷺ: «فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الإنس» فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم، حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشبَّ الغلام وتعلم العربية منهم، وأنفسهم وأعجبهم حين شبَّ، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم. وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بشرٍّ، نحن في ضيق وشدة، فشكت إليه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه.
فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنا في جهد وشدة، قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول:
غيِّرْ عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك فطلقها وتزوج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثم أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله. فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم. قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء قال النبي ﷺ: «ولم يكن لهم يومئذ حب ولو كان لهم دعا لهم فيه» قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، ومريه يثبت عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنا بخير، قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم، هو يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك. قال: ذاك أبي وأنتِ العتبة، أمرني أن أمسكك.
ثم لبث عنهم ما شاء الله، ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد ثم قال: يا إسماعيل، إن الله أمرني بأمر. قال: فاصنع ما أمرك ربك، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك قال: فإن الله أمرني أن أبني ها هنا بيتا - وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها - قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: ١٢٧] قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
صحيح: رواه البخاري في أحاديث الأنبياء (٣٣٦٤) عن عبد الله بن محمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن أيوب السختياني وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة يزيد أحدهما على الآخر، عن سعيد بن جبير، قال ابن عباس .
![عن ابن عباس قال: أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه، حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثم قفّى إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لا يضيعنا، ثم رجعت. فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ﴾ حتى بلغ ﴿يَشْكُرُونَ﴾ [إبراهيم: ٣٧] وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى - أو قال: يتلبط - فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها،
فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدًا فلم تر أحدًا، فهبطت من الصفا، حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدًا، فلم تر أحدًا، ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس: قال النبي ﷺ: «فذلك سعي الناس بينهما» فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت: صَهٍ - تريد نفسها - ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه - أو قال: بجناحه - حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف.
قال ابن عباس: قال النبي ﷺ: «يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم - أو قال: لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا» قال: فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة، فإن ها هنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله، وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية، تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم - أو أهل بيت من جرهم - مقبلين من طريق كداء، فنزلوا في أسفل مكة، فرأوا طائرا عائفا فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء لعهدُنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جريا - أو جريين - فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا - قال: وأم إسماعيل عند الماء - فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ فقالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء. قالوا: نعم. قال ابن عباس: قال النبي ﷺ: «فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الإنس» فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم، حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشبَّ الغلام وتعلم العربية منهم، وأنفسهم وأعجبهم حين شبَّ، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم. وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بشرٍّ، نحن في ضيق وشدة، فشكت إليه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي ﵇ وقولي له يغير عتبة بابه.
فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنا في جهد وشدة، قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول:
غيِّرْ عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك فطلقها وتزوج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثم أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله. فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم. قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء قال النبي ﷺ: «ولم يكن لهم يومئذ حب ولو كان لهم دعا لهم فيه» قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي ﵇، ومريه يثبت عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنا بخير، قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم، هو يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك. قال: ذاك أبي وأنتِ العتبة، أمرني أن أمسكك.
ثم لبث عنهم ما شاء الله، ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد ثم قال: يا إسماعيل، إن الله أمرني بأمر. قال: فاصنع ما أمرك ربك، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك قال: فإن الله أمرني أن أبني ها هنا بيتا - وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها - قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: ١٢٧] قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾. عن ابن عباس قال: أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه، حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثم قفّى إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لا يضيعنا، ثم رجعت. فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ﴾ حتى بلغ ﴿يَشْكُرُونَ﴾ [إبراهيم: ٣٧] وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى - أو قال: يتلبط - فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها،
فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدًا فلم تر أحدًا، فهبطت من الصفا، حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدًا، فلم تر أحدًا، ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس: قال النبي ﷺ: «فذلك سعي الناس بينهما» فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت: صَهٍ - تريد نفسها - ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه - أو قال: بجناحه - حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف.
قال ابن عباس: قال النبي ﷺ: «يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم - أو قال: لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا» قال: فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة، فإن ها هنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله، وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية، تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم - أو أهل بيت من جرهم - مقبلين من طريق كداء، فنزلوا في أسفل مكة، فرأوا طائرا عائفا فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء لعهدُنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جريا - أو جريين - فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا - قال: وأم إسماعيل عند الماء - فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ فقالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء. قالوا: نعم. قال ابن عباس: قال النبي ﷺ: «فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الإنس» فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم، حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشبَّ الغلام وتعلم العربية منهم، وأنفسهم وأعجبهم حين شبَّ، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم. وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بشرٍّ، نحن في ضيق وشدة، فشكت إليه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي ﵇ وقولي له يغير عتبة بابه.
فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنا في جهد وشدة، قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول:
غيِّرْ عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك فطلقها وتزوج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثم أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله. فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم. قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء قال النبي ﷺ: «ولم يكن لهم يومئذ حب ولو كان لهم دعا لهم فيه» قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي ﵇، ومريه يثبت عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنا بخير، قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم، هو يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك. قال: ذاك أبي وأنتِ العتبة، أمرني أن أمسكك.
ثم لبث عنهم ما شاء الله، ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد ثم قال: يا إسماعيل، إن الله أمرني بأمر. قال: فاصنع ما أمرك ربك، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك قال: فإن الله أمرني أن أبني ها هنا بيتا - وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها - قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: ١٢٧] قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.](img/Hadith/hadith_8324.png)
شرح الحديث:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.أما بعد، فإن هذا الحديث العظيم الذي رواه الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، يروي قصة بداية بناء الكعبة المشرفة وقيام شعيرة السعي بين الصفا والمروة، وهي من أعظم القصص التي تجسد معاني التوكل على الله والثقة في وعده.
شرح المفردات:
● المنطق: ما تشد به المرأة وسطها، وهو ما يعرف اليوم بالإزار أو الحزام.
● تعفي أثرها: تستر أثر قدميها.
● دوحة: شجرة كبيرة.
● قفّى: انصرف وولى ظهره.
● يتلوى أو يتلبط: يتمرغ من شدة العطش والألم.
● عائفاً: الطائر الذي يحوم على مكان الماء.
● يبتغي: يطلب ويبحث.
● يُبري نبلاً: يصنع السهام ويشذبها.
شرح الحديث:
1- بداية القصة: تبدأ القصة بأم إسماعيل هاجر عليها السلام، حيث اتخذت منطقًا لتستر أثرها أمام سارة، ثم جاء بها سيدنا إبراهيم وابنها الرضيع إسماعيل إلى وادي غير ذي زرع، حيث وضعها عند مكان البيت الحرام، وترك معها تمرًا وماءً.
2- توكل هاجر: عندما هم إبراهيم بالانصراف، تبعته هاجر متسائلة عن سبب تركهما في هذا المكان المقفر، فلما علمت أن ذلك بأمر الله، قالت: "إذن لا يضيعنا"، وهذا من كمال توكلها ويقينها بالله.
3- دعاء إبراهيم: توجه إبراهيم إلى الله بدعاء عظيم، وهو ما ذكره القرآن: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}.
4- نفاد الماء وسعي هاجر: عندما نفد الماء، سعت هاجر بين الصفا والمروة سبع مرات بحثًا عن help أو ماء، فكشف الله لها عن بئر زمزم بفضل سعيها وصبرها.
5- بركة زمزم: جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم -أو قال: لو لم تغرف من الماء- لكانت زمزم عينًا معينًا"، أي أن ماءها كان سيكون أكثر وفرة.
6- استقرار قبيلة جرهم: بعد أن شاهدت طيور تحوم على الماء، نزلت قبيلة جرهم بجوارها، واستأذنوها في السكن، فسمحت لهم بشرط ألا يملكوا الماء.
7- زيارات إبراهيم اللاحقة: زار إبراهيم ابنه إسماعيل مرات عدة، وكان في كل زيارة يختبر حال ابنه وزوجته، ويوصيه بنصائح تعبر عن حكمته كأب ونبي.
8- بناء الكعبة: جاء الأمر الإلهي لإبراهيم وإسماعيل ببناء البيت الحرام، فتعاونا في بنائه، ودعوا الله بقولهما: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
الدروس المستفادة:
1- التوكل على الله: توكل هاجر وإبراهيم عليهما السلام على الله، مع الأخذ بالأسباب، هو نموذج يُحتذى به.
2- الصبر والثقة في موعود الله: صبر هاجر على الشدة، ويقينها بأن الله لا يضيعها، كانا سببًا في فرجها.
3- السعي بين الصفا والمروة: أصبح سعي هاجر شعيرة من شعائر الحج، تذكر المسلمين بقصة الصبر والتوكل.
4- بركة الدعاء: دعاء إبراهيم لذريته بالبركة والأمن والرزق، استجاب الله له، فجعل مكة بلدًا آمناً، وزمزم عينًا لا تنضب.
5- أهمية اختيار الزوجة الصالحة: نرى كيف أن نصائح إبراهيم لابنه حول زوجته كانت تحمل حكمة بالغة في اختيار الشريك الذي يعين على الطاعة والاستقرار.
6- تعاون الأب والابن في الطاعة: تعاون إبراهيم وإسماعيل في بناء البيت الحرام يرمز إلى التعاون على البر والتقوى.
معلومات إضافية:
- بئر زمزم إلى اليوم لا تزال تتدفق بماء مبارك، يشرب منه الحجاج والمعتمرون، وهو من أعظم آيات الله.
- السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج والعمرة، وذلك تيمنًا بسعي هاجر عليها السلام.
- قصة إبراهيم وهاجر وإسماعيل هي قصة التوحيد والبناء الروحي والمادي للأمة الإسلامية.
نسأل الله أن يجعلنا من المتوكلين عليه حق التوكل، والصابرين على بلائه، والعاملين بطاعته، إنه سميع مجيب. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تخريج الحديث
أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)
الحديث الحالي في المركز 83 من أصل 185 حديثاً له شرح
- 58 كان ينفخ على إبراهيم
- 59 كانت الضفدع تطفئ النار عن إبراهيم، وكان الوزغ ينفخ فيه
- 60 حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم ومحمد ﷺ
- 61 معنى نحن أحق بالشك من إبراهيم
- 62 ختان النبي ابراهيم في سن الثمانين بالقدوم
- 63 دخل إبراهيم بسارة قرية فيها جبار
- 64 لم يكذب إبراهيم النبي قط إلا ثلاث كذبات
- 65 غير عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك
- 66 إبراهيم يترك هاجر وإسماعيل في مكة عند البيت الحرام
- 67 أعوذ بك من: البخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال
- 68 ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد...
- 69 الدجال مكتوب بين عينيه كافر
- 70 أخذت اللبن فشربته فقال: هديت الفطرة
- 71 أقرب الناس شبها بالأنبياء
- 72 يا خير البرية، فقال رسول الله ﷺ: ذاك إبراهيم
- 73 أُتيت بالبراق ثم عرج بي إلى السماء السابعة
- 74 رفع لي البيت المعمور
- 75 فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة
- 76 إدريس في الثانية وهارون في الرابعة وإبراهيم في السادسة وموسى...
- 77 ابْتِلَاءُ إِبْرَاهِيمَ بِالطَّهَارَةِ: خَمْسٌ فِي الرَّأْسِ وَخَمْسٌ فِي الجَسَدِ
- 78 تُحشرون حفاة عراة غرلا ثم يؤخذ برجال من أصحابي
- 79 دخل النبي ﷺ البيت فوجد فيه صورة إبراهيم وصورة مريم
- 80 كان النبي ﷺ يعوذ الحسن والحسين ويقول: إن أباكما كان...
- 81 من مات من الأولاد فهو على الفطرة
- 82 قصر في الجنة من لؤلؤ لإبراهيم عليه السلام
- 83 قصة السيدة هاجر أم اسماعيل
- 84 أول من فتق الله لسانه بالعربية المبينة إسماعيل
- 85 أول من نطق بالعربية ووضع الكتاب إسماعيل بن إبراهيم
- 86 مر النبي ﷺ على نفر من أسلم ينتضلون
- 87 ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا، وأنا معكم كلكم
- 88 سعي النبي بين الصفا والمروة
- 89 دفن في الحجر مع أمه هاجر
- 90 الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف
- 91 فعن معادن العرب تسألوني؟ الناس معادن
- 92 ذهب جبريل بإبراهيم إلى جمرة العقبة فرمى الشيطان بسبع حصيات
- 93 لو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي
- 94 أكرم الناس أتقاهم لله
- 95 معنى الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف
- 96 إن كنت بريئة فسيبرئك الله
- 97 أكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي...
- 98 مري أبا بكر فليصل بالناس، فإنكن صواحب يوسف
- 99 إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ غلبه البكاء قال:...
- 100 مري أبا بكر يصلي بالناس
- 101 دعاء النبي للمستضعفين من المؤمنين
- 102 أتيت على يوسف فسلمت عليه فقال مرحبا بك من أخ...
- 103 أتيت بالبراق فإذا أنا بيوسف قد أعطي شطر الحسن
- 104 بينما أيوب يغتسل عريانًا خر عليه رجل جراد من ذهب
- 105 من يشبع من رحمتك
- 106 لا تقل إني خير من يونس بن متى
- 107 فضل يونس بن متى
معلومات عن حديث: قصة السيدة هاجر أم اسماعيل
📜 حديث: قصة السيدة هاجر أم اسماعيل
نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: قصة السيدة هاجر أم اسماعيل
تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: قصة السيدة هاجر أم اسماعيل
تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: قصة السيدة هاجر أم اسماعيل
شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.
قراءة القرآن الكريم
الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم
Wednesday, November 19, 2025
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب








