أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، و نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا و أن ينفعنا بما علمنا و أن يزيدنا علما وفقها في الدين، وأن يغفر ذنوبنا ويستر عيوبنا ويجعلنا هداة مهتدين.
هذا الحديث العظيم الذي رواه أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، له شأن عظيم، وهو من الأحاديث التي تُظهر فضل النبي صلى الله عليه وسلم ومكانته عند ربه عز وجل.

---

تخريج الحديث:

هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، والترمذي في سننه، وابن ماجه، وغيرهم، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".

---

شرح المفردات:

● «أَيْ رَبِّ»: أي: يا رب. وهي صيغة نداء وتضرع إلى الله تعالى.
● «سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ»: السيد: هو الرئيس والمقدم والذى له السيادة والفضل على غيره. و"ولد آدم" يعني: جميع البشر من ذرية آدم عليه السلام.
● «وَلا فَخْرَ»: أي: قولي هذا ليس من باب الفخر والخيلاء على الخلق، وإنما هو اعتراف بنعمة الله وإظهارٌ لفضله تعالى، وشكر له على ما أولاه.
● «أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ»: يعني المعنى: أول من تقبل عنه الأرض يوم القيامة عند البعث، فيكون أول من يخرج من قبره.
● «حَتَّى إِنَّهُ يُرَدُّ عَلَيَّ الحَوْضُ»: "يُرَدُّ عَلَيَّ": أي يُورَدُ إليَّ ويجتمع عندي. و"الحوض": هو حوض النبي صلى الله عليه وسلم في عرصات القيامة، ماؤه أبيض من اللبن وأحلى من العسل، آنيته كنجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً.
● «أَكْثَرُ مِمَّا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَأَيْلَةَ»: "صنعاء": مدينة في اليمن معروفة. و"أيلة": هي مدينة على ساحل البحر الأحمر، تعرف الآن بـ (العقبة) في الأردن. والمسافة بينهما شاسعة جداً (تقدر بمئات الكيلومترات)، وهذا بيان لعظمة الحوض واتساعه وكثرة وارديه من أمة النبي صلى الله عليه وسلم.

---

المعنى الإجمالي للحديث:

يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال متضرعاً إلى الله تعالى: "يا رب، أنت الذي مننت عليّ واخترتني وجعلتني سيد البشر وأفضلهم على الإطلاق، لا أحد فوقي في المنزلة والمكانة، وهذا فضل منك لا أفخر به على أحد. وأنت الذي جعلتني أول من تقبل عنه الأرض يوم القيامة فأنهض لألاقيَك، ولا فخر في ذلك أيضاً. وقد مننت عليّ أيضاً بحوض عظيم يرد عليه من أمتي عدد هائل لا يحصى إلا بك، يكثر حتى إن عددهم أكثر من المسافة الشاسعة بين مدينتي صنعاء وأيلة".

---

الدروس المستفادة والعبر:

1- علو منزلة النبي صلى الله عليه وسلم وفضله: فهو سيد ولد آدم جميعاً، ولا يوجد نبي ولا صديق ولا شهيد ولا أي بشر أفضل منه، وهذه السيادة هي في الدنيا والآخرة.
2- التواضع مع نعمة الله: قول النبي صلى الله عليه وسلم "ولا فخر" يعلمنا يعلمنا التواضع وعدم الاختيال بالنعم، وأن نرد الفضل إلى الله تعالى، فكل فضل فهو منه سبحانه.
3- إثبات صفة الحوض: وهو حوض النبي صلى الله عليه وسلم الحقيقي في يوم القيامة، وهو من الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها كما جاءت.
4- كثرة أمة النبي صلى الله عليه وسلم: ورد أن أمته ستكون أكثر الأمم عدداً يوم القيامة، وهذا من فضل الله عليها.
5- فضل الشفاعة العظمى: كون النبي صلى الله عليه وسلم أول من تنشق عنه الأرض، فهو أول من يشفع في الخلق ليبدأ الحساب، وتُفك الكرب العظيمة ذلك اليوم.
6- حسن الأدب مع الله تعالى: فإن النبي صلى الله عليه وسلم نادى ربه بأدب عظيم، مقراً بنعمته، معترفاً بأنه لا فضل له من نفسه، بل الفضل كله لله.

---

معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث من الأدلة على أولية النبي صلى الله عليه وسلم في الخروج من القبر يوم القيامة، وهو أول من يبعث، لتكون له الريادة في ذلك اليوم كما كانت له الريادة في الدنيا.
● حوض النبي صلى الله عليه وسلم هو أحد الأمور التي يُسأل عنها العبد في قبره "مَن رَبُّكَ؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟"، فمن عرف النبي في الدنيا، عرفه في الآخرة، ورده الله تعالى على حوضه ليشرب منه.
- يجب على المسلم حب النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره، والإيمان بفضله ومكانته عند ربه، وهذا من كمال الإيمان.
أسأل الله تعالى أن يوردنا حوض نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يسقينا منه شربة لا نظمأ بعدها أبداً.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.