لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم

حديث: لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم

عن جابر في حديث طويل قال: سرنا مع رسول الله ﷺ في غزوة بطن بُواط، وهو يطلب المجدي بن عمرو الجهنيّ، وكان الناضح يعقبه منا الخمسة والستة والسبعة، فدارتْ عقبة رجل من الأنصار على ناضح له، فأناخه، فركبه، ثمّ بعثه، فتلدّن عليه بعض التلدّن، فقال له: شأ لعنك الله، فقال رسول الله ﷺ: «من هذا اللاعن بعيره؟» قال: أنا يا رسول الله! قال: «انزل عنه، فلا تصحبنا بملعون، لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوأ على أموالكم، لا تُوافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء فيستجيب لكم»

صحيح: رواه مسلم في الزهد والرقاق (٣٠٠٩) من طرق عن حاتم بن إسماعيل، عن يعقوب بن مجاهد أبي حزرة عن عباد بن الوليد بن عبادة بن الصَّامت، عن أبيه، عن جابر، فذكر الحديث.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، و نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا و أن ينفعنا بما علمنا و أن يزيدنا علما وفقها في الدين، وأن يغفر ذنوبنا ويستر عيوبنا ويجعلنا هداة مهتدين. هذا حديث عظيم من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يرشدنا إلى أدب عظيم من آداب الدعاء والتعامل مع النعم.

أولاً. شرح المفردات:

● غزوة بطن بُواط: غزوة من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت في السنة الثانية للهجرة.
● المجدي بن عمرو الجهني: رجل من أشراف قريش كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يستميله إلى الإسلام أو يحذر من شره.
● الناضح: البعير الذي يستقى عليه الماء، ويقصد هنا الجمل الذي يُستخدم للركوب والحمل في السفر.
● يعقبه: يعني يركبه بالتعاقب، فيركب واحد ثم يليه آخر.
● دارت عقبة: جاء دوره في الركوب.
● فتلدن عليه: تمرد عليه ولم ينقاد له، أو بطئ في السير.
● شأ: كلمة زجر للإبل، مثل "هيا" أو "انطلقي".
● لعَنك الله: الدعاء على البعير بالطرد من رحمة الله.
● لا تُوافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء: أي احذروا أن تصادف دعواتكم السلبية ساعة إجابة من الله فيستجيب لضركم.

ثانياً. شرح الحديث:

يحدثنا الصحابي الجليل جابر بن عبدالله رضي الله عنه عن قصة وقعت أثناء سيرهم في غزوة مع النبي صلى الله عليه وسلم. وكان السفر شاقاً، بحيث كان الجمل الواحد يركبه خمسة أو ستة أو سبعة رجال يتعاقبون عليه لتخفيف المشقة.
فلما جاء دور رجل من الأنصار على جمل، ركبه وحاول أن يسيره فلم ينقاد له وتمرد، فغضب الرجل ودعا على جمله قائلاً: "لعَنك الله"، أي طردك الله من رحمته.
فسمع النبي صلى الله عليه وسلم هذه الدعوة، ونهاه عن ذلك أشد النهي، وأمره بالنزول عن ذلك الجمل الذي لعنه، وقال له: «لا تصحبنا بملعون»، أي لا تسير معنا وقد دعوت على هذا الجمل باللعنة، فهو الآن ملعون بسبب دعائك.
ثم عمم النبي صلى الله عليه وسلم الحكم ليعلم الصحابة والمسلمين من بعدهم درساً عظيماً، فقال: «لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم».
ثم بين السبب في هذا النهي الشديد، وهو أن الدعاء سلاح ذو حدين، فقد "تُوافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء فيستجيب لكم"، أي قد يصادف دعاؤكم -ولو كان في ساعة غضب- وقتاً تكون فيه الاستجابة سريعة من الله عز وجل، فتحصل المصيبة التي لا تحمد عقباها.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- حرمة الدعاء بالشر واللعنة: يحرم على المسلم أن يدعو على نفسه، أو ولده، أو ماله، أو دابته، أو أي نعمة من نعم الله باللعنة أو الهلاك أو الشر، لأن هذا استخفاف بالنعمة وجحود لها.
2- الأدب مع نعم الله: يجب على المسلم أن يشكر النعمة ويصبر على ما قد يكون فيها من إزعاج أو تقصير، ولا يجزع فيدعو عليها بالهلاك.
3- خطورة الدعاء: الدعاء مستجاب، خاصة في أوقات الإجابة التي قد لا نعلمها، فالدعاء على النفس أو الأهل أو المال قد يستجاب فيندم الإنسان ندماً عظيماً حيث لا ينفعه الندم.
4- التأديب الرباني: نهي النبي صلى الله عليه وسلم للرجل كان تأديباً وتعليماً له وللأمة، فلم يتركه يستمر على هذا الفعل، بل أمره بالنزول ليكون عبرة له ولغيره.
5- الصبر عند الغضب: الحديث يحثنا على كظم الغيظ وضبط النفس عند الغضب، وعدم النطق بما يندم عليه المرء لاحقاً.

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، وهو من الأحاديث الصحيحة المتينة.
- يستثنى من هذا النهي حالات معينة، مثل الدعاء على الظالم أو الكافر بالهداية أو بالقصاص في الدنيا، فهذا ليس من الدعاء المحظور.
- إذا غضب الإنسان على شيء، فليقل: "اللهم بارك لي فيه" أو "اللهم أصلحه لي"، بدلاً من الدعاء عليه، ففي ذلك خير كثير.
- من الأدعية النبوية عند الغضب: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» و«اللهم إني أسألك كلمة الحق في الغضب والرضا».
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الشاكرين الصابرين، وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه مسلم في الزهد والرقاق (٣٠٠٩) من طرق عن حاتم بن إسماعيل، عن يعقوب بن مجاهد أبي حزرة عن عباد بن الوليد بن عبادة بن الصَّامت، عن أبيه، عن جابر، فذكر الحديث.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 210 من أصل 1279 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم

📜 حديث: لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية