رد النبي ﷺ إلى أمه عذاقها وأعطى أم أيمن مكانهن

حديث: رد النبي ﷺ إلى أمه عذاقها وأعطى أم أيمن مكانهن

عن أنس بن مالك قال: لما قدم المهاجرون المدينة من مكة، وليس بأيديهم، [يعني شيئًا]، وكانت الأنصار أهل الأرض والعقار، فقاسمهم الأنصار على أن يعطوهم ثمار أموالهم كل عام، ويكفونهم العمل والمؤونة، وكانت أمه أم أنس أم سليم، كانت أم عبد الله بن أبي طلحة، فكانت أعطت أم أنس رسول الله ﷺ عذاقًا، فأعطاهن النبي ﷺ أم أيمن مولاته أم أسامة بن زيد.
قال ابن شهاب: فأخبرني أنس بن مالك: أن النبي ﷺ لما فرغ من قتل أهل خيبر، فانصرف إلى المدينة، رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوها من ثمارهم، فرد النبي ﷺ إلى أمه عذاقها، وأعطى رسول الله ﷺ أم أيمن مكانهن من حائطه. وقال أحمد بن شبيب: أخبرنا أبي، عن يونس، بهذا، وقال: مكانهن من خالصه.

صحيح: رواه البخاري في الهبة (٢٦٣٠) عن عبد الله بن يوسف، أخبرنا ابن وهب، حدثنا يونس، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، و نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا و أن ينفعنا بما علمنا و أن يزيدنا علما وفقها في الدين، وأن يغفر ذنوبنا ويستر عيوبنا ويجعلنا هداة مهتدين. هذا حديث عظيم من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه، يروي قصة مؤثرة من أيام الهجرة النبوية، تظهر روعة التضحية والأخوة بين المهاجرين والأنصار. سأشرحه لك جزءاً جزءاً معتمداً على كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.

أولاً. شرح مفردات الحديث:

● لما قدم المهاجرون المدينة من مكة، وليس بأيديهم [يعني شيئًا]: أي أن المهاجرين قدموا إلى المدينة فارغين من المال والمتاع، بعد أن تركوا أموالهم وديارهم في مكة في سبيل الله.
● والأنصار أهل الأرض والعقار: أي أن الأنصار هم سكان المدينة الأصليين، ويملكون الأراضي والبساتين والعقارات.
● فقاسمهم الأنصار: أي شاركوهم وقاسموهم أموالهم.
● منائحهم: (مفردها: منيحة) وهي الهبة أو العطية التي تمنح لوقت ثم تُرد، كشاة تعطى للاستفادة من لبنها ثم ترجع لصاحبها.
● عذاقًا: (مفردها: عذق) وهي النخلة الكبيرة المثمرة، أو البستان من النخيل.
● حائطه: بستانه أو حديقته الخاصة.
● خالصه: ملكه الخاص الذي يختص به دون غيره.

ثانياً. شرح الحديث بإيجاز:

يصف الحديث حال المهاجرين عندما قدموا إلى المدينة، حيث كانوا فقراء لا يملكون شيئاً، بينما كان الأنصار يملكون الأراضي والبساتين. فما كان من الأنصار إلا أن قدموا أروع مثال في التضحية والأخوة، حيث قاسموهم أموالهم، بمعنى أنهم أعطوهم نصيباً من ثمار بساتينهم كل عام، وتكفلوا بمؤونتهم وعملهم.
وأم أنس بن مالك - وهي أم سليم، والدة أنس رضي الله عنهما - كانت من هؤلاء الأنصار السخية، فأعطت رسول الله ﷺ عذاقاً (بستاناً من النخيل) هدية له. فالنبي ﷺ، وهو قدوة في العطاء والوفاء، أعطاهن لأم أيمن (مولاته وحاضنة ابنه إبراهيم، وأم أسامة بن زيد، وهي من أوائل المؤمنات).
ثم لما انتصر المسلمون في غزوة خيبر واغتنموا الغنائم، رد المهاجرون بفضل أخلاقهم ووفائهم ما كانوا أخذوه من عطايا الأنصار، وشعروا أنهم أصبحوا في سعة من الرزق فلا حاجة لهم بها. فرد النبي ﷺ بستان النخيل (العذاق) إلى أم أنس، ولكن لأنه وعد أم أيمن به، أعطاها بدلاً منه من بستانه الخاص (من حائطه أو خالصه)، وفاءً بوعده لها وكرمًا منه ﷺ.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- روعة أخوة الإيمان: الموقف يمثل ذروة التضحية والأخوة التي لا نظير لها في التاريخ، حيث آثر الأنصار إخوانهم المهاجرين على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. قال تعالى: *{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}* [الحشر: 9].
2- الوفاء وعدم استغلال كرم الآخرين: عندما اغتنم المهاجرون ردوا العطايا لأصحابها، مع أن الأنصار أعطوها طيبة بها أنفسهم. هذا أدب رفيع وشعور بالمسؤولية وعدم الرغبة في إثقال كاهل الإخوان، حتى بعد تحسن الحال.
3- قدوة النبي ﷺ في الوفاء والكرم: النبي ﷺ لم يرد الهبة لأنها أصبحت دون قيمة، بل لأنه أراد أن يخفف عن الأنصار. والأعظم من ذلك، أنه لم يبخس حق أم أيمن، فأعطاها من ماله الخاص بدلاً مما كان قد أعطاها إياه، ليبقى وفياً لوعده وكريماً في عطيته.
4- جواز قبول الهبة والإهداء: وقبول النبي ﷺ لهبة أم أنس ثم تصرفه فيها بإعطائها لأم أيمن، يدل على جواز قبول الهبة والتصرف فيها بما يراه الإنسان مناسباً، إذا كانت من حلال.
5- فضل أمهات المؤمنين والصحابيات: الحديث يظهر فضل أم أنس (أم سليم) في سخائها، وفضل أم أيمن في مكانتها عند النبي ﷺ.

رابعاً. معلومات إضافية:

● أم أيمن: هي بركة الحبشية، حاضنة النبي ﷺ ومربيته بعد وفاة أمه آمنة. كانت من أوائل المسلمات، وهاجرت الهجرتين، وتزوجها زيد بن حارثة رضي الله عنه فأنجبت أسامة. وكان النبي ﷺ يجلها ويقول عنها: «هذه بقية أهل بيتي».
- هذا الموقف من الأنصار هو التطبيق العملي لأعظم صور الأخوة التي آخى فيها النبي ﷺ بين المهاجرين والأنصار.
- القصة تدل على أن الغنائم الحلال التي يغنمها المسلمون في الجهاد هي سبب لسعة الرزق ورفع الحاجة، فيكون الإنسان غنياً بشكر الله والاستغناء عن عطايا الناس.
أسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاري في الهبة (٢٦٣٠) عن عبد الله بن يوسف، أخبرنا ابن وهب، حدثنا يونس، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك فذكره.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 200 من أصل 1279 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: رد النبي ﷺ إلى أمه عذاقها وأعطى أم أيمن مكانهن

📜 حديث: رد النبي ﷺ إلى أمه عذاقها وأعطى أم أيمن مكانهن

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: رد النبي ﷺ إلى أمه عذاقها وأعطى أم أيمن مكانهن

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: رد النبي ﷺ إلى أمه عذاقها وأعطى أم أيمن مكانهن

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: رد النبي ﷺ إلى أمه عذاقها وأعطى أم أيمن مكانهن

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية