اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن ينفعنا بما نسمع ونقرأ. هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، يحثنا على التمسك بكتاب الله تعالى والعمل به. وفيما يلي شرحه وبيانه:
### أولاً. نص الحديث ومصدره
هذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب (صلاة المسافرين وقصرها)، باب: فضل قراءة القرآن وسورة البقرة. وهو من الأحاديث الصحيحة في فضائل سور القرآن العظيم.

---

ثانياً. شرح المفردات:

* شفيعًا: الشفيع هو الذي يتوسط للغير بطلب الخير أو دفع الشر. والشفاعة هنا بمعنى أن القرآن يطلب من الله تعالى لأهل القرآن المغفرة والرحمة ورفعة الدرجات.
* لأصحابه: هم الذين يداومون على تلاوته، ويتدبرون معانيه، ويعملون بأحكامه، ويحلون حلاله ويحرّمون حرامه.
* الزهراوين: جمع زهراء، وهي البيضاء النيرة المتلألئة. وسُميت سورتا البقرة وآل عمران بذلك لعظمتهما ونورهما وما فيهما من هدى وعلم.
* غمامان: الغمام هو السحاب الأبيض الذي يحجب الشمس ويقي حرها. والمراد أنهما تأتيان يوم القيامة كسحابتين عظيمتين تظلان قارئهما.
* غيايتان: الغياية (بكسر الغين وفتح الياء) هي كل ما يقي ويحمي، كالترس الذي يقي المحارب في المعركة. والمعنى أنهما تكونان وقاية وحماية لصاحبهما من أهوال يوم القيامة.
* فرقان من طير صواف: الفرقان: القطعة أو المجموعة. والصواف: هي الطيور التي بسطت أجنحتها للوقوف في صف للصلاة أو للدفاع. وهو تشبيه بليغ لجمال منظرها وهيئتها وهي تدافع عن قارئها.
* تُحاجّان: أي تُجادلان وتدافعان وتناصران صاحبهما أمام الله تعالى.
* بركة: الخير الكثير الدائم الذي ينزل على قارئها في نفسه وماله وأهله ووقته.
* حسرة: الندم الشديد على فوات الخير العظيم الذي كان يمكن أن يناله لو لازمها.
* البطلة: هم السحرة والشياطين، لأنهم يبطلون الحق بالسحر والباطل. وقيل: هم الأبطال الأقوياء. والمعنى أنهم لا يقدرون على حفظها أو الإتيان بمثلها، أو أنهم لا يستطيعون إلحاق الأذى ببيت يُقرأ فيه سورة البقرة.

---

ثالثاً. المعنى الإجمالي للحديث:

يؤكد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على مكانة القرآن الكريم وأهمية تلاوته والعمل به، ثم يخص بالذكر سورتي البقرة وآل عمران (الزهراوين) لمزيد فضلهما وعظم أجرهما.
فالقرآن كله خير وشفاء وهدى، ولكنه يذكر أن هاتين السورتين ستأتيان يوم القيامة -وهو يوم شديد الهول- في صورة مظلة عظيمة تظل صاحبهما، أو في صورة طيور بيض باسطات أجنحتهن تدافع عنه وتجادل لتثبت فضله وتطلب له الرحمة والمغفرة.
ثم يعود ليؤكد على سورة البقرة خاصة، فيبين أن المداومة على قراءتها سبب لحلول البركة في كل aspects الحياة، وأن إهمالها سبب للندم والحسرة يوم لا ينفع الندم. كما أنها حصن حصين ضد كيد السحرة والشياطين.

---

رابعاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- الحث على المداومة على تلاوة القرآن: الأمر بقراءة القرآن ("اقرأوا") يدل على وجوب المداومة والعناية به، فهو ليس مجرد كلمات تُتلى، بل هو شافع لأصحابه.
2- القرآن شافع مشفع: من أعظم حقوق القرآن على أهله أن يشفع لهم يوم القيامة، وهذه الشفاعة تكون لمن اتخذه منهج حياة، لا لمجرد من يهذّه هذَّاً دون تدبر.
3- فضل سورتي البقرة وآل عمران: ينبغي للمسلم أن يعتني بهاتين السورتين خاصة، بقراءتهما وتدبر معانيهما والعمل بأحكامهما، لما لهما من أجر عظيم ووقاية يوم القيامة.
4- سورة البقرة حصن من الشيطان: الحديث صريح في أن المداومة على قراءة سورة البقرة، خاصة في البيت، تطرد الشياطين وتمنعهم من إلحاق الأذى بأهل البيت.
5- البركة في الوقت والرزق: من أسباب البركة الحقيقية في الحياة الإكثار من قراءة سورة البقرة، فالبركة ليست في كثرة المال فقط، بل في صحته، والانتفاع بالوقت، وطاعة الأهل.
6- التحذير من التفريط: قوله صلى الله عليه وسلم "وتركها حسرة" تحذير شديد من إهمال هذه السورة العظيمة، فالإنسان سيندم يوم القيامة على كل وقت мог أن يقرأ فيه ولكنه ضيعه.

---

خامساً:

معلومات إضافية مفيدة:
* يستحب قراءة سورة البقرة في البيت لتحصينه، كما ورد في أحاديث أخرى، فالشيطان يفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة.
* ينبغي الجمع بين القراءة والتدبر والعمل، فليس المقصود مجرد القراءة السريعة دون فهم أو تطبيق.
* هذا الفضل العظيم يشمل من يقرأ القرآن ويعمل به كما أمر الله تعالى، أما