نعم الفتى غضيف

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، حياكم الله و بياكم أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يفتح علينا أبواب فهم سنن نبيه الكريم.
هذا حديث عظيم يجمع بين فضل صحابيين جليلين، ويبرز أدب الصحابة رضي الله عنهم وتواضعهم العظيم، كما يظهر مكانة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وإليك الشرح المفصل:
### أولاً. ترجمة الرواة وبيان حال الحديث
● غُضيف بن الحارث الثمالي: صحابي جليل، من أهل الكوفة، ثقة.
● عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أمير المؤمنين، الفاروق، صاحب المنزلة العظيمة في الإسلام.
● أبو ذر الغفاري رضي الله عنه: جندب بن جنادة، من السابقين الأولين إلى الإسلام، وعُرف بالزهد والورع والصدق.
الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، والطبراني في المعجم الكبير، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله.

### ثانياً. شرح مفردات الحديث
● نعم الفتى: كلمة مدح وثناء، أي: "ما أفضله من شاب!".
● استغفر لي: طلب منه أن يدعو له بالمغفرة من الله تعالى.
● ضرب بالحق على لسان عمر وقلبه: جعل الله الحق ملازماً لقوله وفكره، فلا ينطق إلا بالصواب ولا يختار إلا الصواب في الأمور المهمة.

### ثالثاً. شرح الحديث ومعناه الإجمالي
1- موقف الثناء والتواضع:
- مر غضيف بن الحارث بعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأثنى عليه عمر بقوله: "نعم الفتى غضيف". وهذا يدل على حرص عمر على تشجيع الشباب الصالح وذكر محاسنهم.
- فسمع أبو ذر رضي الله عنه هذا الثناء من عمر، فلقي غضيفاً وقال له: "أي أخي استغفر لي". وهذا من تواضع أبي ذر العجيب، حيث طلب الدعاء من شاب أقل منه منزلةً وسناً وصحبةً للنبي صلى الله عليه وسلم.
2- رد غضيف المتواضع:
- تعجب غضيف من طلب أبي ذر، وقال: "أنت صاحب رسول الله ﷺ وأنت أحق أن تستغفر لي!". أي: كيف أستغفر لك وأنت الصحابي الجليل الذي صحب النبي ولازمه، وأنت أولى بأن تدعو لي أنا.
3- سبب طلب أبي ذر للاستغفار:
- بين أبو ذر رضي الله عنه سبب طلبه الغريب، فقال: "إني سمعت عمر بن الخطاب يقول: نعم الفتى غضيف، وقد قال رسول الله ﷺ: «إن الله ضرب بالحق على لسان عمر وقلبه»".
- فمعنى كلام أبي ذر: إن عمر قد أثنى عليك، وعمر معصوم by أن يخطئ في مثل هذا المدح؛ لأن النبي ﷺ أخبر أن الله جعل لسانه وقلبه مصدراً للحق والصواب. فثناؤه عليك يعني أنك تستحق هذا المدح حقاً، ولذلك أردت أن أستفيد من بركتك ودعائك المستجاب.

### رابعاً. الدروس والعبر المستفادة من الحديث
1- فضل عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الحديث من أعظم الأدلة على منزلة عمر وفضله، حيث شهد له النبي ﷺ بأن الله جعل الحق ملازماً لقلبه ولسانه. وهذا يفسر كثرة المواقف التي كان يوفق فيها للصواب حتى وافق القرآن رأيه في عدة مواضع، مثل موقفه في أسارى بدر، وعدم الصلاة على المنافقين، وحجاب أمهات المؤمنين.
2- تواضع الصحابة رضي الله عنهم: يظهر تواضع أبي ذر رضي الله عنه حيث طلب الدعاء من شخص أقل منه مقاماً، وتواضع غضيف حيث تعجب من ذلك ولم يغتر بمدح عمر له.
3- طلب الدعاء من الصالحين: يستحب طلب الدعاء من أهل الصلاح والتقوى، ولو كانوا أصغر سناً أو أقل منزلة، لأن الدعاء قد يُقبل من الشخص لصلاحه وليس لمجرد سنه أو منصبه.
4- الأخذ بأقوال العلماء والصالحين: ثناء عمر على غضيف جعل أبا ذر يثق به ويطلب منه الدعاء، وهذا يدل على وجوب احترام أهل العلم والفضل والثقة في توصياتهم ونقدهم للآخرين.
5- عدم الغرور بالمدح: غضيف لم يغتر بمدح عمر له، بل بقي على تواضعه وأدبه، وهذا من علامة الإيمان.

---

خامساً:

معلومات إضافية مفيدة
- قول النبي ﷺ: «إن الله ضرب بالحق على لسان عمر وقلبه» ثابت في صحيح سنن الترمذي، وهو من خصائص عمر رضي الله عنه.
- هذا الحديث يدخل في باب "الإلهام" و"الفراسة" التي يمنحها الله لبعض أوليائه، حيث يوفقون للصواب في المواقف التي لا نص فيها.
- استدل العلماء بهذا الحديث على وجوب احترام آراء عمر رضي الله عنه في المسائل الاجتهادية، لأنها تصدر عن قلب ولسان معصومين من الضلال.
أسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، وأن يرزقنا حسن الاتباع لسنة نبيه وصحابته الكرام. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.