الحرب المجلية والسلم المخزية في حديث وفد بزاخة مع أبي بكر

حديث: الحرب المجلية والسلم المخزية في حديث وفد بزاخة مع أبي بكر

عن طارق بن شهاب قال: جاء وفد بزاخة من أسدٍ وغطفان إلى أبي بكر يسألونه
الصلح، فخيَّرهم بين الحرب المجلية والسلم المخزية، فقالوا: هذه المجلية قد عرفناها، فما المخزية؟ قال: ننزع منكم الحلقة والكراع، ونغنم ما أصبنا منكم، وتردون علينا ما أصبتم منا، وتدون لنا قتلانا، وتكون قتلاكم في النار، وتتركون أقوامًا يتبعون أذناب الإبل حتى يُرِيَ الله خليفة رسول الله ﷺ والمهاجرين أمرًا يعذرونكم به، فعرض أبو بكرٍ ما قال على القوم، فقام عمر بن الخطاب فقال: قد رأيت رأيًا وسنشير عليك، فأما ما ذكرت من الحرب المجلية والسلم المخزية فنعم ما ذكرت، وما ذكرت أن نغنم ما أصبنا منكم وتردون ما أصبتم منا فنعم ما ذكرت، وأما ما ذكرت: تدون قتلانا وتكون قتلاكم في النار، فإن قتلانا قاتلت فقتلت على أمر الله، أجورها على الله، ليس لها دياتٌ، فتتابع القوم على ما قال عمر.

صحيح: رواه أبو بكر البرقاني في كتابه «المخرَّج على الصحيحين» كما في كتاب الجمع بين الصحيحين للحميدي - بإسناده عن مسدد، عن يحيى القطان، عن سفيان الثوري، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث النافع الذي رواه الإمام أحمد في مسنده وغيره:

أولاً- شرح المفردات:
● وفد بزاخة: جماعة من قبيلتي أسد وغطفان جاءوا للمفاوضة.
● بزاخة: موضع معروف.
● المجلية: من الإجلاء، أي الحرب الواضحة التي تُظهر العدو وتجليه.
● المخزية: التي تُلحق الخزي والعار بالطرف المقابل.
● الحلقة والكراع: الدرع والسلاح (الحلقة: الدروع، والكراع: الخيل والسلاح).
● تدون قتلانا: تُسجّل قتلانا وتعطوننا دياتهم.
● يتبعون أذناب الإبل: كناية عن الضعف والفقر والذل.

ثانيًا- شرح الحديث:
يحدثنا الصحابي طارق بن شهاب أن وفدًا من قبيلتي "أسد" و"غطفان" جاءوا إلى الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وطلبوا الصلح وترك القتال.
فقد كانت هذه القبائل قد ارتدت عن الإسلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فجهز أبو بكر الجيوش لقتالهم، فلما علموا بقوته أرسلوا وفدًا للتفاوض.
فقال لهم أبو بكر رضي الله عنه:
"إما أن تستسلموا وتقبلوا بالشروط التي فيها ذل وهوان (السلم المخزية)، وإما أن نقاتلكم قتالاً واضحًا لا هوادة فيه (الحرب المجلية)."
فسألوه: ما هي "السلم المخزية"؟
فقال أبو بكر رضي الله عنه شروط الصلح التي فيها إذلال لهم، وهي:
1. نأخذ منكم السلاح والخيل (الحلقة والكراع).
2. نأخذ غنائمكم إذا غنمناها.
3. تردون إلينا ما أخذتموه منا أثناء القتال.
4. تدفعون دية قتلانا.
5. قتلاكم في النار لأنهم ماتوا على الكفر والردة.
6. تتركون من بقي منكم فقيرًا ذليلاً حتى يري الله الخليفة والمهاجرين رأيًا يعذرونكم به.
ثم عرض أبو بكر هذا الرأي على كبار الصحابة للمشورة، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأيد رأي أبي بكر في معظم الشروط، إلا في مسألة دية القتلى؛ حيث قال:
"إن قتلانا قاتلوا في سبيل الله وماتوا شهداء، وأجرهم على الله، ولا دية لهم لأن الشهيد لا يُدَى."
فوافق الجميع على رأي عمر رضي الله عنه.

ثالثًا- الدروس المستفادة:
1- مشورة الإمام لأهل الرأي: الخليفة أبو بكر رضي الله عنه لم يستبدّ بالرأي، بل عرضه على الصحابة للتشاور.
2- الحكمة في التفاوض: القوة في الحق لا تعني الغلو، بل الحكمة والموازنة بين القوة والرحمة.
3- الشهادة في سبيل الله: الشهيد لا يُدَى لأنه مات في سبيل الله، وأجره على الله تعالى.
4- الردة وعقوبتها: الذين يرتدون عن الإسلام بعد إيمانهم مصيرهم النار إذا ماتوا على الكفر.
5- العدل حتى مع الأعداء: أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لم يظلموهم، بل أعطوهم خيارين: إما القتال أو الاستسلام بشروط عادلة.

رابعًا- فوائد إضافية:
- هذا الحديث يظهر قوة إيمان الصحابة وثباتهم على الحق بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
- وفيه بيان لحكمة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في قيادة الأمة وقراراته الحازمة في حروب الردة.
- كما يظهر فضل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفقهه العميق في فهم أحكام الشريعة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

المراجع المعتمدة:
- مسند الإمام أحمد
- فتح الباري لابن حجر
- عون المعبود للعظيم آبادي
- شرح السنة للبغوي

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه أبو بكر البرقاني في كتابه «المخرَّج على الصحيحين» كما في كتاب الجمع بين الصحيحين للحميدي - بإسناده عن مسدد، عن يحيى القطان، عن سفيان الثوري، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، فذكره.
ورواه البخاري في الأحكام (٧٢٢١) عن مسدد به مختصرا، وهو قول أبي بكر لوفد بزاخة: «تتبعون أذناب الإبل حتى يري الله خليفة نبيه ﷺ والمهاجرين أمرا يعذرونكم به».
أخرج أبو داود في «الزهد» (٣٥) بإسناد صحيح من طريق هشام بن عروة قال: أخبرني أبي: أنَّ أبا بكر أسلم وله أربعون ألف درهم.
قال عروة: فأخبرتني عائشة قالت: توفي أبو بكر ولم يترك دينارا ولا درهما. ومناقبه كثيرة جدا، وترجمته في تاريخ دمشق قدر مجلدة.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 56 من أصل 643 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: الحرب المجلية والسلم المخزية في حديث وفد بزاخة مع أبي بكر

📜 حديث: الحرب المجلية والسلم المخزية في حديث وفد بزاخة مع أبي بكر

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: الحرب المجلية والسلم المخزية في حديث وفد بزاخة مع أبي بكر

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: الحرب المجلية والسلم المخزية في حديث وفد بزاخة مع أبي بكر

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: الحرب المجلية والسلم المخزية في حديث وفد بزاخة مع أبي بكر

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية