كتاب الله هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أهلاً بك أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يفتح علينا أبواب فهم سنّة نبيه ﷺ.
هذا الحديث العظيم الذي سألت عنه هو جزء من حديث الثقلين المشهور، وهو من الأحاديث المتواترة التي رواها جمع كبير من الصحابة بطرق متعددة، وهو حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم في صحيحه وغيره. وسأشرحه لك جزءًا جزءًا بحول الله وقوته.

---

أولاً. شرح المفردات:

● "دخلنا عليه": أي دخلوا على زيد بن أرقم رضي الله عنه، وهو الصحابي الجليل راوي الحديث.
● "لقد رأيت خيرًا": أي لقد شهدت وعاصرت خيرًا عظيمًا وهو صحبة النبي ﷺ.
● "ثقلين": الثقل يعني الشيء النفيس الخطير الثمين، وسميا بذلك لأن الأمة مأمورة بالتمسك بهما، وهما ثقيلان في الميزان يوم القيامة.
● "حبل الله": الحبل هو السبب الموصل إلى الله، وهو القرآن الكريم.
● "عصبة": العصبة هم الأقارب الذكور من جهة الأب.
● "حُرموا الصدقة بعده": أي الذين حُرموا أخذ الصدقة الواجبة (الزكاة) تكريمًا لهم، وهم آل بيت النبي ﷺ.

---

ثانيًا. شرح الحديث:

يخبرنا الصحابي الجليل زيد بن أرقم رضي الله عنه أنهم دخلوا عليه وسألوه عن فضله ومكانته لكونه صاحب رسول الله ﷺ، فبادرهم بهذا الوعظ النبوي العظيم، وهو قول النبي ﷺ في حجة الوداع:
1- "ألا وإني تارك فيكم ثقلين": يبدأ النبي ﷺ خطبته بتنبيه الأمة (ألا) ليُصغي الجميع، ويخبرهم أنه سيترك فيهم أمانتين عظيمتين هما:
● "أحدهما كتاب الله ﷻ، هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة":
هنا يصف النبي ﷺ القرآن الكريم بأنه "حبل الله"، أي هو السبيل الآمن والطريق المستقيم الذي من تمسك به نجا، ومن تركه هلك وغوى. فهو دستور الأمة ومنهاج حياتها، وهو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
2- "وفيه فقلنا: من أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا وأيم الله...":
هنا يروي زيد بن أرقم أن السامعين سألوه عن المقصود بـ "أهل البيت" الذين هم الثقل الثاني، فهل هم نساء النبي ﷺ؟ فأقسم (وأيم الله) أنهم ليسوا هن، وبيّن السبب بأن المرأة (حتى زوجة النبي) قد يطلقها زوجها فتعود إلى أهلها، فقرابتها قرابة مؤقتة يمكن أن تنقطع.
ثم بين أن أهل بيته ﷺ هم: "أصله وعصبته الذين حُرموا الصدقة بعده".
● "أصله وعصبته": أي أقاربه الذكور من نسل عبد المطلب، وهم الذين لا تحل لهم الصدقة (الزكاة الواجبة) تكريمًا لشرف نسبهم إلى النبي ﷺ. وهم علي بن أبي طالب، وفاطمة، والحسن، والحسين، وأبناء عبد المطلب من بني هاشم وبني المطلب.

---

ثالثًا. الدروس المستفادة والعبر:

1- مكانة القرآن الكريم: الحديث يرفع من شأن القرآن ويوجب على كل مسلم أن يتخذه منهج حياة، فهو سبيل النجاة والهداية الوحيد.
2- وجوب التمسك بالسنة: الثقل الثاني هو "عترتي أهل بيتي"، وهذا أمر نبوي بالتمسك بهم ومحبتهم واتباع هديهم، فهم عدل القرآن وهم الذين وعوا العلم النبوي وحفظوه. والتمسك بهم يعني الأخذ من علمهم وفقههم وهديهم الذي لا يخرج عن هدي القرآن.
3- تمييز أهل البيت: يبين الحديث أن مصطلح "أهل البيت" في هذا المقام له مدلول خاص، وهم آل النبي من ذريته وأقاربه الذكور المحرم عليهم الصدقة، وليس مجرد من سكن معه. وهذا تكريم وتعظيم لهم.
4- التحذير من الفرقة: الحديث يحذر الأمة من الافتراق، ويبين أن طريق النجاة هو التمسك بهذين الثقلين معًا، فلا يُؤخذ أحدهما ويُترك الآخر.
5- الرد على أهل البدع: هذا الحديث أصل عظيم يرد على من قدح في الصحابة أو فارق جماعة المسلمين، فهو يوجب التمسك بالكتاب والسنة على فهم أهل البيت والصحابة، وهم الذين تلقوا العلم مباشرة من النبي ﷺ.

---

رابعًا. معلومات إضافية مفيدة:

● مكانة الحديث: هذا الحديث من أسس عقيدة أهل السنة والجماعة في محبة آل بيت النبي ﷺ وتوقيرهم، مع محبة الصحابة جميعًا وعدالتهم.
● الموقف من أهل البيت: موقف أهل السنة هو توسط واعتدال، فهم يحبون آل البيت ويوالونهم ويقرون بفضائلهم، دون غلوٍّ يرفعهم فوق منزلتهم، أو جفاءٍ يهضمهم حقهم.
● المراد بالتمسك بهم: التمسك بهم لا يعني تقديس أشخاصهم، بل يعني الأخذ من علمهم وفقههم الذي هو امتداد لسنة النبي ﷺ، فهم أعلم الناس بها.
أسأل الله أن يجعلنا ممن يتمسك بكتابه وسنة نبيه ﷺ، ويوالى أهل بيته ويحفظهم، وأن يجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.