أجب عني اللهم أيده بروح القدس

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
حياكم الله و بياكم أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث صحيح رواه الإمام البخاري في صحيحه، وفيه دروس وعبر عظيمة. سأشرحه لك جزءاً جزءاً معتمداً على كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.

---

أولاً. شرح المفردات:

● مرَّ بحسان: أي مرَّ سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالشاعر حسان بن ثابت رضي الله عنه.
● ينشد الشعر: أي يلقيه بصوت مسموع.
● فلحظ إليه: أي نظر إليه سيدنا عمر نظرة فيها إنكار وعتب.
● أنشدك الله: استحلفه بالله، أي أسألك بالله.
● أجب عني: أي ردَّ عني وادفع عني بشعرك.
● أيده بروح القدس: أي قوِّه وأعنه بوحي من عندك، و"روح القدس" هو جبريل عليه السلام.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يخبرنا الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرَّ بالمسجد النبوي فوجد حسان بن ثابت رضي الله عنه ينشد الشعر فيه. فأنكر سيدنا عمر ذلك، معتقداً أن المسجد للصلاة وذكر الله وقراءة القرآن، وليس للشعر، فنظر إليه نظرة فيها عتب وتأنيب.
فردَّ عليه حسان بن ثابت رضي الله عنه بكل أدب واحترام، موضحاً له أنه لم يفعل شيئاً جديداً، بل كان ينشد الشعر في هذا المسجد الطاهر وفي حضور من هو أفضل وأعظم من سيدنا عمر، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه، ولم ينكر عليه.
ولكي يثبت حسان صدق قوله، واستئذانه السابق من النبي صلى الله عليه وسلم، التفت إلى أبي هريرة رضي الله عنه وهو حاضر، واستحلفه بالله أن يشهد بما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم. فشهد أبو هريرة رضي الله عنه بأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لحسان: «أجب عني، اللهم أيده بروح القدس».
ومعنى هذا الطلب النبوي الكريم:
● «أجب عني»: أي أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن له أن يرد على شعراء المشركين الذين كانوا يهجونه ويهجون المسلمين، ويذود عن عرضه ودينه بلسانه وشعره، فجعل الشعر سلاحاً في معركة الدفاع عن الإسلام.
● «اللهم أيده بروح القدس»: وهذا دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم له بالعون والتأييد الإلهي، بأن يلهمه الله الكلمة الصائبة والقول المؤثر، ويسدد خطاه. وتأييده بـ "روح القدس" – وهو جبريل عليه السلام – إشارة إلى الإلهام الرباني والتسديد الخاص.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- مكانة الشعر النافع: الحديث يدل على مشروعية إنشاء الشعر النافع الذي يذب عن الإسلام وأهله، ويذب عن عرض النبي صلى الله عليه وسلم، ويرد على أهل الباطل. فليس الشعر مذموماً على إطلاقه، بل إن كان في الحق فهو جهاد باللسان.
2- أدب الصحابة رضي الله عنهم: نرى أدب الحوار بين صحابيين جليلين مثل عمر وحسان. فحسان لم يغضب أو يرد رداً غير لائق، بل احتج بالحجة وأقام البينة على ما قال، وهذا من أدب الخلاف.
3- الاستشهاد بالحق: عندما اختلف الصحابيان، لم يتردد أبو هريرة في الشهادة بالحق الذي سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالحق ضالة المؤمن.
4- دور الفن في خدمة الدعوة: النبي صلى الله عليه وسلم استخدم الشعر كأداة فعالة في الدعوة والدفاع عن الدين، وهذا توجيه لأمتنا لاستخدام جميع الوسائل المشروعة والمفيدة في نشر الخير والذود عن الحق.
5- تفاضل الأعمال بحسب النية والمقصد: الفعل نفسه (إنشاد الشعر في المسجد) قد ينكر في حالة (إذا كان لهواً أو لغواً) ويباح ويستحب في حالة أخرى (إذا كان للدفاع عن الإسلام والنبي). فالعبرة بالمقاصد.
6- بركة المسجد النبوي: فيه إشارة إلى فضل المسجد النبوي وأنه كان ملتقى للصحابة لأمور الدين والدنيا، بما فيه مصلحة الإسلام.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- حسان بن ثابت رضي الله عنه هو شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان من أفصح الناس، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقربه ويجلسه في مسجده لينشد الشعر الذي يرد به على المشركين.
- هذا الحديث أصل في جواز إنشاد الشعر في المسجد إذا كان شعراً مشروعاً ذا فائدة، ولم يكن فيه إيذاء للمصلين أو إلهاء لهم.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يرزقنا الفقه في دينه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.