اللهم رب السموات السبع وما أظللن

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يفتح علينا أبواب فهم سنّة نبيه ﷺ.
هذا الحديث الذي ذكر يجمع بين رواية عن فعل الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وحكاية عن دعاء النبي ﷺ من طريق كعب الأحبار، وسأقوم بشرحه جزءاً جزءاً مع بيان دروسه المستفادة.

### أولاً. شرح مفردات الحديث
● يؤم الناس: يقودهم في الصلاة، يكون إماماً لهم.
● دار أبي جهم: دار أحد الصحابة، وكانت قريبة من المسجد النبوي.
● كعب الأحبار: هو كعب بن ماتع الحِمْيَري، كان من أحبار اليهود (علمائهم) وأسلم في عهد أبي بكر أو عمر رضي الله عنهما، ونقل الكثير من أخبار الأمم السابقة.
● الذي فلق البحر لموسى: قسمه وشقه، وهو قسم عظيم يشير إلى قدرة الله تعالى.
● رب السموات السبع وما أظللن: خالقهن وما استتر وتَغَشَّى تحتهن من المخلوقات (السحاب، الطير، الملائكة... إلخ).
● رب الأرضين السبع وما أقللن: خالقهن وما أحاط بهن وأقام عليهن من الجبال وغيرها.
● رب الشياطين وما أضللن: خالقهم وما يضلون به بني آدم من الشرور والوساوس.
● رب الرياح وما ذرين: خالقهن وما تذروه وتنشره من سحاب أو غبار.
● نسألك خير هذه القرية: نطلب منك يا الله ما فيها من خير.
● نعوذ بك: نلتجئ ونعتصم بك.

### ثانياً. شرح الحديث
ينقسم هذا الحديث إلى شقين:
1- الشق الأول: عن أبي سهيل عن أبيه:
يروي أبو سهيل بن مالك عن أبيه (مالك) أنه كان يسمع صوت قراءة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يصلي بالناس إماماً في مسجد رسول الله ﷺ، وكان صوته يصلهم من مسافة، حيث كانوا في دار أبي جهم القريبة من المسجد. هذا الشق يُظهر عظمة عمر وقوة إيمانهِ، حيث كان صوته جهورياً قوياً يملأ الأرجاء حتى خارج المسجد، دليلاً على خشوعه وقوة تلاوته للقرآن.
2- الشق الثاني: عن كعب الأحبار:
يحلف كعب الأحبار قَسَماً عظيماً بالله تعالى (الذي شق البحر لنبيه موسى عليه السلام) على صحة ما سمعه من الصحابي صهيب الرومي رضي الله عنه. ومفاده أن النبي ﷺ كان لهذا الدعاء العظيم عادة كلما رأى قرية أو مدينة يريد دخولها. فكان يدعو بهذا الدعاء الجامع الذي:
* يبدأ بتعظيم الله تعالى والثناء عليه بذكر أنواع من ربوبيته: ربوبيته للسماوات والأرضين وما فيهن، وربوبيته حتى للشياطين والرياح، مما يظهر كمال قدرته وسلطانه.
* ثم يوجه المسألة إلى هذا الرب العظيم، فيسأله خير تلك القرية (من أمن، ورزق، وعلم، وطاعة...).
* ثم يستعيذ به من شر تلك القرية وشر أهلها وشر ما فيها (من فتن، وأمراض، وشرور، ومعاصٍ...).
ويذكر كعب أن هذا الدعاء كان من دعوات نبي الله داود عليه السلام حين يرى العدو، مما يشير إلى سنة متبعة among الأنبياء.

### ثالثاً. الدروس المستفادة والفَوائد
1- قوة إيمان الصحابة وخشوعهم: قوة صوت عمر رضي الله عنه في قراءته دليل على قوة إيمانه وحضور قلبه في الصلاة، وليس على الإزعاج أو الرياء.
2- فضل الدعاء عند دخول مكان جديد: سنة نبوية عظيمة عند دخول بلد أو قرية أو حتى سفر.
3- أدب الدعاء: يعلّمنا النبي ﷺ كيف نبدأ دعاءنا بالثناء على الله وتعظيمه، فهذا أدعى للإجابة.
4- الاستعانة بالله في كل شيء: الدعاء يشمل طلب الخير والاستعاذة من الشر في المكان وأهله وما فيه، تفويضاً للأمر كله لله.
5- التأكيد على ربوبية الله المطلقة: الدعاء يذكر أن الله هو رب كل شيء، حتى الأشياء التي قد تُنسَب للشر (كالشياطين)، فهي تحت قهره وسلطانه.
6- حفظ الله للعبد حيث كان: هذا الدعاء حصن منيع للمسلم يحفظه من شرور المكان الذي يدخله.
7- اتباع هدي الأنبياء: بيان أن شرائع الأنبياء متقاربة، وأن محمداً ﷺ كان على منهاجهم.

### رابعاً. معلومات إضافية مفيدة
* حال كعب الأحبار: يُقبل حديثه كونه صحابياً (أدرك النبي ﷺ وأسلم)، ولكن العلماء ينبهون على أن ما يرويه عن بني إسرائيل (الإسرائيليات) يُتسامح في روايته للاعتبار والعظة دون أن يُعتقد بصحته قطعاً، إلا إذا جاء في شرعنا ما يؤكده. وهذا الحديث جاء فيه القَسَم والتأكيد على صحته من طريق صهيب الصحابي.
* موضع الدعاء: يستحب للمسلم أن يقول هذا الدعاء عند السفر ودخول المدن أو القرى الجديدة، طلباً للبركة والسلامة.
* الحديث في المصادر: ورد هذا الدعاء بألفاظ متقاربة في عدة مصادر منها "شعب الإيمان" للبيهقي، و"السيرة" لابن كثير، وغيرها.
أسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله على نبينا