العنوان: "إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء"

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث العظيم الذي رواه الصحابي الجليل أُبَيّ بن كَعْب رضي الله عنه، يتناول وصفاً من أوصاف الدجال الأعور، ويختتم بتوجيه نبوي كريم للتحصّن من شرّ آخر.
وفيما يلي الشرح المفصل للحديث:
### أولاً. تخريج الحديث
هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، والإمام النسائي في "السنن الكبرى"، وغيرهم. وهو حديث صحيح بشواهده.

### ثانياً. شرح المفردات
* الدَّجَّال: هو رجل من بني آدم يخرج في آخر الزمان، ادَّعى الألوهية، وهو أعور العين اليمنى، معه جنة ونار، لكن ناره جنة وجنته نار. وهو أعظم فتنة على وجه الأرض حتى خروج عيسى ابن مريم عليه السلام.
* كأنها زُجاجة: الزجاجة هنا تعني الخَرَزة أو اللؤلؤة المنتفخة التي تكون بارزة وواضحة، وليست الزجاج الذي نشربه منه، فالعين بارزة ومحدقة.
* خضراء: أي أن لون هذه العين البارزة فيه كدرة وخضرة، وهو لون قبيح ومنفر.
* وتعوذوا بالله مِن عذاب القبر: أي اطلبوا العوذ والالتجاء والحماية بالله تعالى من عذاب القبر.

### ثالثاً. شرح الحديث
يُقسّم شرح هذا الحديث إلى قسمين:
1. وصف عين الدجال:
يصف النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عيني المسيح الدجال بأنها كالزجاجة الخضراء. والتشبيه النبوي دقيق للغاية:
* "كأنها زجاجة": يوضح أن عينه ليست طبيعية، بل هي عوراء بارزة محدقة، لا تخفى على من ينظر إليه، فهي غائرة في الرأس أو بارزة بشكل بشع، مما يجعل منظره مُرعباً ومُنفراً.
* "خضراء": هذا اللون الأخضر ليس جميلاً بل هو لون كدر منتن، يزيد في قبح منظرها ويوحي بالشر والفساد. وجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين وصف الشكل (الانتفاخ والبروز) ووصف اللون (الخضرة الكدرة) ليكتمل تصور قبح هذه العين وشناعتها.
وهذه الصفة من أعظم العلامات التي يميز بها المؤمن الدجال، فلا ينخدع بادعاءاته الكاذبة، فمن رآه عرف أنه الأعور الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم.
2. الأمر بالتعوذ من عذاب القبر:
لماذا ربط النبي صلى الله عليه وسلم بين ذكر الدجال والأمر بالتعوذ من عذاب القبر؟
هناك حكمة عظيمة، منها:
* شدة الفتنة: فتنة الدجال من أشد الفتن، والإنسان الضعيف قد يزل فيها، والتعوذ من عذاب القبر يعني الاستعانة بالله والالتجاء إليه ليثبت القلب على الإيمان ويحفظه من الزيغ.
* أن الموت على الإيمان هو النجاة: النجاة من فتنة الدجال تكون بالتمسك بالإيمان حتى الموت. والتعوذ من عذاب القبر هو طلب للسلامة في الآخرة، والتي هي نتيجة طبيعية للسلامة في الدنيا من الفتن، ومن أعظمها فتنة الدجال.
* تذكير بالآخرة: ذكر الدجال يذكر بالقيامة وأهوالها، وعذاب القبر من أولى منازل الآخرة، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "احذروا فتنة الدجال في الدنيا، واستعدوا لها بالتعوذ من عذاب الآخرة".

### رابعاً. الدروس المستفادة والعبر
1- اليقين بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم: فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم دجالاً لم يره أحد في زمانه، وها هو وصفه يتحقق حين يخرج، وهذا من أعظم الأدلة على صدق نبوته.
2- التعرف على أوصاف الدجال: يجب على المسلم أن يتعلم صفات الدجال ليعرفه ولا ينخدع به إذا رآه.
3- الالتجاء إلى الله من الفتن: أعظم سلاح لمواجهة الفتن هو الإكثار من الدعاء والاستعاذة بالله تعالى، كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم.
4- الربط بين الدنيا والآخرة: المسلم الحقيقي لا ينشغل بفتن الدنيا وينسى مصيره في الآخرة، بل يجمع بين الحسنيين: النجاة من الفتن في الدنيا، والنجاة من العذاب في الآخرة.
5- الإكثار من التعوذ من عذاب القبر: وهذا دأب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يكثر من قول: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال...» (متفق عليه).

---

خامساً:

معلومات إضافية مفيدة
* الدجال أعور العين اليمنى كما في روايات أخرى، والعين اليسرى هي التي تكون كالزجاجة الخضراء.
* من أهم أسباب عذاب القبر: النميمة، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وعدم الاستنزاه من البول (أي عدم التطهر منه جيداً).
* يشرع للمسلم أن يكثر من قول هذا الدعاء في صلاته، خاصة بعد التشهد الأخير وقبل التسليم، وفي أذكار الصباح والمساء: «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ