إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة نزعت

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
هذا حديث عظيم رواه الإمام البخاري في صحيحه، وفيه قصة إسلام عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وهو من أحبار اليهود وعلمائهم في المدينة المنورة. وفي الحديث فوائد عظيمة ودلالات واضحة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. وسأشرحه لكم جزءًا جزءًا بحسب ما ورد في كتب أهل السنة والجماعة.

---

أولًا:

شرح مفردات الحديث:
● يَخْتَرِف: أي يجني الثمار من الشجر.
● أشراط الساعة: علاماتها وأماراتها التي تسبق قيامها.
● زيادة كبد حوت: القطعة الزائدة من كبد الحوت، وهي أطيب ما فيه.
● نزع الولد: أي يشبه أباه أو أمه في الخلقة والصفات.
● قوم بُهْت: أي قوم يكذبون ويافترون.

---

ثانيًا. شرح الحديث:

يبدأ الحديث بأن عبد الله بن سلام رضي الله عنه – وكان من علماء اليهود – سمع بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فذهب إليه وهو في أرضه يجني الثمار. وعبد الله بن سلام كان يعرف من كتب اليهود أن هناك نبيًا سيخرج، وكان يترقب قدومه.
فلقى النبي صلى الله عليه وسلم واختبره بثلاث مسائل يعتقد أنها لا يعلمها إلا نبي، وذلك ليختبر صدق نبوته. وهذه المسائل هي:
1. ما أول علامات الساعة؟
2. ما أول طعام يأكله أهل الجنة؟
3. لماذا يشبه الولد أباه تارة وأمه تارة؟
فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بأن جبريل عليه السلام قد أخبره بهذه الإجابات آنفًا. فتعجب عبد الله بن سلام من ذكر جبريل، لأنه كان يعرف من كتب اليهود أن جبريل هو عدواليهود من الملائكة، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالآية الكريمة: {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 97]، أي أن جبريل هو الذي نزل بالوحي على قلبك، فمن عاداه فقد عادى الله ورسوله.
ثم أجاب النبي صلى الله عليه وسلم على الأسئلة الثلاثة:
1- أول أشراط الساعة: نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وهي النار التي تظهر في آخر الزمان وتسوق الناس إلى محشرهم.
2- أول طعام أهل الجنة: زيادة كبد الحوت، وهي قطعة طيبة من كبد الحوت، كما ورد في الحديث.
3- شبه الولد: إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إلى أبيه، وإذا سبق ماء المرأة نزع إلى أمه. وهذا من الإعجاز العلمي الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يكتشفه العلم الحديث.
فلما سمع عبد الله بن سلام هذه الإجابات، أيقن أن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو رسول الله حقًا، فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. ولكنه خاف من اليهود أن يبهتوه ويكذبوا عليه إذا علموا بإسلامه، فطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل اليهود عنه قبل أن يعلن إسلامه.
فلما جاءت اليهود، سألهم النبي صلى الله عليه وسلم: "أي رجل عبد الله فيكم؟" فقالوا: هو خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا. فلما سألهم: "أرأيتم إن أسلم؟" قالوا: أعاذه الله من ذلك. فخرج عبد الله بنسلام وأعلن إسلامه، فانقلبوا عليه وقالوا: شرنا وابن شرنا، وانتقصوه. فقال عبد الله: "هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله".

---

ثالثًا. الدروس المستفادة من الحديث:

1- الدلالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم: حيث أجاب على أسئلة لا يعلمها إلا نبي، وهذا من أعظم الأدلة على صدقه.
2- فضل عبد الله بن سلام رضي الله عنه: كان من علماء اليهود الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكان صادقًا في بحثه عن الحق.
3- كذب اليهود وافتراؤهم: حيث مدحوا عبد الله بن سلام قبل إسلامه، وذموه بعد أن آمن، وهذا دليل على بغضهم للحق وأهله.
4- الإعجاز العلمي في الحديث: بيان سبب شبه الولد بأبيه أو أمه، وهو ما أكده العلم الحديث في نظرية "سبق الماء".
5- مكانة جبريل عليه السلام: وأنه هو الذي ينزل بالوحي على الأنبياء، ومن عاداه فقد كفر.

---

رابعًا. معلومات إضافية:

- عبد الله بن سلام رضي الله عنه أصبح من كبار الصحابة وعلمائهم، وروى الكثير من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- الحديث يدل على أن من علامات الساعة خروج نار من اليمن أو من其他地方 تحشر الناس، كما ورد في أحاديث أخرى.
- قصة إسلام عبد الله بنسلام تدل على أن الإنسان يجب أن يبحث عن الحق ويتبعه، حتى لو كان ذلك يعني مفارقة قومه وأهله.
هذا والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.