ينفخ في الصور فيصعق الناس ثم ينزل المطر فتنبت الأجساد

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا الحديث العظيم جزء من حديث طويل رواه الإمام مسلم في صحيحه، وهو يصف أحداث يوم القيامة العظيمة، وتحديداً النفخة في الصور وما يتبعها من بعث ونشور.

---

أولاً. شرح المفردات:

● ينفخ في الصور: الصور هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام بأمر الله تعالى.
● أصغى ليتاً ورفع ليتاً: "أصغى" أي مَالَ بأذنه ليسمع، و"ليتاً" معناه: جانب عنقه أو رقبته. والمعنى: أن كل من يسمع هذه النفخة سيميل بعنقه ويرفعه استغراباً وخوفاً مما يسمع.
● يلوط حوض إبله: أي يطينه ويصلحه لسقي إبله (أي يمزج الطين بالماء لسد فرجاته حتى لا يتسرب منه الماء).
● فيصعق: يموت ويسقط على الأرض من هول ما سمع.
● كأنه الطل أو الظل: الطل هو الندى الخفيف، والظل هو الشبح أو الشيء الخفيف. والمعنى: أن المطر خفيف رقيق.
● تنبت منه أجساد الناس: أي تُخلق وتُبعث من ذلك المطر.
● ينفخ فيه أخرى: أي النفخة الثانية للبعث.
● فإذا هم قيام ينظرون: أي فإذا الناس أحياء قد قاموا من قبورهم يتفقدون ويتعجبون.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الجزء من الحديث الطويل عن حدثين مهولين من أحداث يوم القيامة:
1- النفخة الأولى (نفخة الصعق والفزع): ينفخ إسرافيل في الصور نفخة عظيمة يسمعها كل حي على وجه الأرض. وهذه النفخة هي للصعق والموت. وصف النبي صلى الله عليه وسلم ردّة فعل من يسمعها بأنه يميل بعنقه استغراباً وخوفاً من هذا الصوت المهول الذي لم يسمع مثله قط.
ثم ضرب النبي مثلاً لأول من يسمع هذه النفخة، وهو رجل منهمك في دنياه، مشغول بصلاح حوض إبله وسقايتها، فإذا به يسمع الصوت فيهلك من فورته وصعقته، ثم يصعق الناس جميعاً بعده. وهذه النفخة هي سبب موت كل من بقي على وجه الأرض.
2- نزول المطر وإحياء الأجساد: بعد أن تموت الخلائق كلها، يشاء الله تعالى أن ينزل مطراً من السماء، يشبه في خفته ورقته الندى أو الظل. وهذا المطر ليس كأمطار الدنيا، بل هو مطر خاص بأمر الله، تبدأ منه أجساد الخلائق في النمو والإنبات من قبورهم، كما تنبت الأرض النبات من بعد المطر.
3- النفخة الثانية (نفخة البعث والنشور): بعد أن تعود الأرواح إلى الأجساد، ينفخ في الصور النفخة الثانية، وهي نفخة القيام لرب العالمين. فإذا بالناس كلهم قد قاموا من قبورهم أحياء، وقد عادت إليهم أرواحهم، وهم في ذهول وحيرة، ينظرون إلى هذا المشهد المهيب، ويُساقون إلى أرض المحشر.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- عظمة قدرة الله تعالى: الحديث يصور لنا قدرة الله المطلقة على إماتة الخلائق وإحيائها، فهو الذي بدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه. فإحياء العظام وهي رميم بعد أن صارت تراباً أهون على الله من خلقها أول مرة.
2- حقيقة الموت والبعث: يذكرنا هذا الحديث بيوم لا محالة منه، يوم يقف فيه الجميع بين يدي الله للحساب، مما يوجب على المسلم الاستعداد لهذا اليوم بالأعمال الصالحة.
3- انشغال الإنسان بدنياه: المثال الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي يلوط حوض إبله هو تحذير من الغفلة والانشغال بالدنيا عن الآخرة. فذلك الرجل كان مشغولاً بأمر دنيوي مفاجئ، ففاجأه الموت وهو على تلك الحال. وهذا دليل على أن الموت يأتي بغتة.
4- الإيمان بالغيب: الحديث يؤكد على وجوب الإيمان بكل ما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم من أهوال يوم القيامة، وهو من الغيب الذي يجب أن نصدق به.
5- البعث والنشور حقيقة: الحديث يقرر حقيقة البعث بعد الموت بشكل واضح وجلي، مما يدفع المسلم إلى العمل للفوز في ذلك اليوم العصيب.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- هذا الحديث جزء من حديث طويل رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وهو موجود في صحيح مسلم، وهو من أطول الأحاديث التي describe أحداث يوم القيامة بتفصيل عجيب.
- النفخة في الصور ثلاث نفخات: نفخة الفزع، ونفخة الصعق (الموت)، ونفخة البعث (النشور). والحديث هنا ذكر نفخة الصعق ثم نفخة البعث.
- قوله (نعمان الشاك) أي الراوي الذي يروي عنه (الإمام مسلم) شك في اللفظة هل هي (الطل) أم (الظل)، وكلاهما صحيح والمعنى متقارب.
نسأل الله تعالى أن يجعنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يحيينا على الإيمان ويميتنا عليه، ويبعثنا في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.