يبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع، لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث عظيم من أحاديث أشراط الساعة وأهوال يوم القيامة، رواه الإمام مسلم في صحيحه. سأشرحه لك جزءاً جزءاً بحسب ما ورد في كلام أهل العلم المعتمدين.

---

أولاً. شرح المفردات:

● هممت: عزَمت وقصدت.
● يحرق البيت: المقصود بالبيت هنا الكعبة المشرفة على الأرجح، وهو من علامات الساعة الكبرى.
● الدجال: هو أعظم فتنة على وجه الأرض، يخرج في آخر الزمان يدعي الألوهية.
● كأنه عروة بن مسعود: شبه النبي صلى الله عليه وسلم نزول عيسى عليه السلام في هيئته وشكله بـ عروة بن مسعود الثقفي، الذي كان معروفاً بحسن هيئته ووقاره.
● مثقال ذرة: وزن أصغر شيء، أي أدنى قدر من الخير والإيمان.
● كبد الجبل: وسطه وأصعب مكان فيه.
● خفة الطير وأحلام السباع: يعني أن أخلاقهم ستكون غليظة كأخلاق السباع (الوحوش)، وقلوبهم خفيفة لا تثبت على خير، كالطير.
● يتمثل لهم الشيطان: يتجسد ويظهر لهم في صورة بشر.
● دارّ رزقهم: واسع رزقهم ومتوفر.
● ينفخ في الصور: القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام لإهلاك الخلق ثم لإحيائهم.
● أصغى ليتا ورفع ليتا: مال عنقه وأصغى بأذنه ليسمع، ورفع عنقه استعداداً وتفاعلاً مع الصوت الهائل.
● يلوط حوض إبله: يصلحه ويبني عليه لسقاية إبله.
● يكشف عن ساق: كناية عن شدة الأمر وهول الموقف يوم القيامة.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يبدأ الحديث بحادثة وقعت لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، حيث جاءه رجل يستفسر عن حديثٍ يرويه عن قرب الساعة، فانزعج عبد الله بن عمرو من سوء فهم الرجل وتشديده في السؤال، حتى همّ ألا يحدث الناس بشيءٍ خشية أن يحرفوا كلامه أو يفهموه على غير مراده. ثم شرع في شرح ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم عن أحداث آخر الزمان، والتي يمكن تقسيمها إلى مراحل:
1- خروج الدجال وفتنته: وهو من أكبر العلامات، يمكث في الأرض أربعين، والشك في المدة (يوم، شهر، عام) من الراوي وليس من النبي صلى الله عليه وسلم، مما يدل على عظم الأمر وصعوبة تصوره.
2- نزول عيسى عليه السلام: يبعثه الله تعالى لينزل عند المنارة البيضاء في دمشق، فيطلب الدجال ويقتله، ويحكم بشريعة الإسلام.
3- فترة الأمن والسلام: بعد هلاك الدجال، يعم الناس أمان تام ورفاهية لمدة سبع سنوات، تزول فيها العداوات والبغضاء.
4- وفاة جميع المؤمنين: يرسل الله ريحاً طيبة تقبض أرواح كل من في قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان، فلا يبقى إلا شرار الناس الذين لا خير فيهم.
5- فتنة الأوثان وعودة الشرك: يعيش هؤلاء الأشرار في رغد عيش، ولكنهم بلا دين، فيأتيهم الشيطان في صورة إنسان ويأمرهم بعبادة الأصنام فيستجيبون له.
6- النفخة الأولى (نفخة الصعق): ينفخ إسرافيل في الصور، فيصعق من في السموات والأرض إلا من شاء الله. وأول من يسمعها رجل مشغول بدنياه (يلوط حوض إبله)، فيصعق على الفور، ثم يصعق الناس جميعاً.
7- النفخة الثانية (نفخة البعث): بعد أن تتحلل الأجساد، ينزل الله مطراً ينبت منها الأجساد مرة أخرى، ثم تنفخ النفخة الثانية فإذا الناس أقباضٌ أحياء يقفون من قبورهم لرب العالمين.
8- الحساب والعقاب: يساق الناس للحساب، ويُقال "هلم إلى ربكم" للحضور بين يدي الله للمساءلة.
9- إخراج بعث النار: يُقَال: أخرجوا بعث النار، أي عدد الذين سيدخلون النار، فيقال: من كل ألف، تسعمائة وتسعة وتسعون. وهذا يدل على كثرة أهل النار وقلة أهل الجنة في ذلك الزمان بالذات، مما يجعله يوماً شديد الهول حتى أن الشيب سيشيب من هوله.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- الحذر من التحديث بكل ما سمع: فهمنا من انزعاج عبد الله بن عمرو وجزعه أهمية التثبت في نقل الحديث وروايته، وخشية أن يُحمّل الكلام أكثر مما يحتمل أو يُفهم على غير مراده.
2- الإيمان بالغيب: الحديث يؤكد على ضرورة الإيمان بكل ما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم من أمور الغيب، كخروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام وأهوال القيامة.
3- عظمة فتنة الدجال: مما يحثنا على التعوذ منها في كل صلاة، كما نعلم في الدعاء آخر التشهد.
4- قدرة الله المطلقة: الحديث يذكرنا بقدرة الله على إحياء الموتى وبعثهم من قبورهم، وهو ما نؤمن به في الركن السادس من أركان الإيمان.
5- أن الإيمان يزيد وينقص: قوله "مثقال ذرة من إيمان" يدل على أن الإيمان له قدر ووزن، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
6. **سوء عاقبة البعد عن الدين