الحلية تبلغ موضع الوضوء

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
حياكم الله و بياكم أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا الحديث الذي ذكر حديث عظيم، له دلالات بليغة ومعاني جميلة، وسأشرحه لك جزءاً جزءاً بحول الله وقوته.
### أولاً. تخريج الحديث ومصدره
هذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء. وهو من الأحاديث الصحيحة المتعلقة بآداب الوضوء وفضائله.
### ثانياً. شرح مفردات الحديث
● أبو حازم: هو سلمان الأشجعي، راوي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه.
● يتوضأ: يقوم بعملية الوضوء المعروفة.
● يمد يده حتى تبلغ إبطه: أي يغسل ذراعه في الوضوء حتى يصل إلى منطقة الإبط، مما يدل على المبالغة في غسل العضو.
● يا بني فروخ: كلمة تحبب وتلطف، كأن يقول: يا بني، يا ولدي.
● الحلية: الزينة والنور، وهنا المقصود بها النور الحسي الذي يراه المؤمنون يوم القيامة.
● حيث يبلغ الوضوء: المواضع التي يصل إليها الماء في الوضوء.
### ثالثاً. شرح الحديث
يحدثنا أبو حازم أنه كان واقفاً خلف أبي هريرة رضي الله عنه mientras كان يتوضأ، فلاحظ أنه يغسل ذراعه حتى يصل إلى ما تحت الإبط، وهو أمر زائد عن المشروع في الوضوء؛ لأن الواجب هو غسل اليد من أطراف الأصابع إلى المرفق فقط. فاستغرب أبو حازم من هذا الفعل وسأله: "ما هذا الوضوء؟" أي: لماذا تبالغ في الغسل إلى هذا الحد؟
فأجابه أبو هريرة رضي الله عنه بتلطف وحب، قائلاً: "لو علمت أنكم هنا ما توضأت هذا الوضوء"، يعني أنه لو رأى أحداً ينظر إليه لما بالغ في الوضوء بهذا الشكل حتى لا يتهم بالرياء أو يظن الناس أن هذا من السنة، ولكنه كان يفعله على سبيل الخصوصية والعبادة بينه وبين ربه.
ثم بين له سبب ذلك، فقال: "سمعت خليلي ﷺ يقول: «تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء»". أي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن المؤمن يوم القيامة يكون له نور وزينة (حلية) على مواضع وضوئه، فكلما وسع في الوضوء وبلغ الماء مواضع أكثر، كلما زاد نوره وزينته يوم القيامة.
### رابعاً. الدروس المستفادة من الحديث
1- فضل إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء: والغرة هي بياض الوجه، والتحجيل هو بياض اليدين والرجلين، والمقصود المبالغة في الوضوء بغسل ما زاد على الواجب من الأعضاء، مما يترتب عليه زيادة النور يوم القيامة.
2- اجتناب الرياء: حرص أبي هريرة على عدم إظهار هذا الفعل حين علم أن أحداً ينظر إليه، خشية أن يظن به الرياء، وهذا من كمال تقواه وورعه.
3- علو همة الصحابة: حرصهم على العمل بما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم، وعدم تفويت أي فضل يمكن أن ينالوه.
4- البشائر الأخروية: الحديث يبين شيئاً من جزاء المؤمنين يوم القيامة، حيث يكون الوضوء سبباً في النور والزينة التي يراها الناس.
5- التلطف في التعليم: رد أبي هريرة على السائل بكلمة "يا بني فروخ" يدل على حسن الخلق واللين في التعامل مع طلاب العلم.

---

خامساً:

أحكام فقهية متعلقة بالحديث
- المبالغة في الوضوء بإطالة الغرة والتحجيل مستحبة وليست واجبة.
- يستحب للمسلم أن يغسل ما زاد على المفروض في الوضوء طلباً للفضل الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم.
- يجب الحذر من الرياء، ولهذا أخفى أبو هريرة هذا الفعل عندما علم أن هناك من يراه.

---

سادساً:

فوائد إضافية
- هذا الحديث من الأحاديث التي تبين فضل الوضوء وآثاره الأخروية، مما يحفز المسلم على إتقانه والاهتمام به.
- فيه بيان لعناية الصحابة رضي الله عنهم بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله، وحرصهم على تطبيقها ونقلها للأمة.
أسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.