الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، و نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا و أن ينفعنا بما علمنا و أن يزيدنا علما وفقها في الدين، وأن يغفر ذنوبنا ويستر عيوبنا ويجعلنا هداة مهتدين.
هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي ﷺ، يرشد فيه صحابيَّه الجليل كعب بن عجرة رضي الله عنه إلى أعمال تطهِّر القلب وتقرب إلى الله، ويحذره من خبيث المال. وهاك الشرح المفصل:
### أولاً. تخريج الحديث ومصدره
هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، والترمذي في جامعه، وابن حبان في صحيحه، وغيرهم. وحسَّنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع.

### ثانياً. شرح مفردات الحديث
* جُنَّة: بضم الجيم، أي وقاية وستر وحماية من النار ومن الشهوات والمعاصي في الدنيا.
* تُطفئ الخطيئة: تمحوها وتزيل أثرها كما تُطفئ النار بالماء.
* قُرْبان: ما يتقرب به العبد إلى ربه، أي أنها سبب لتقريب العبد من رضوان الله وجنته.
* بُرْهان: دليل وحجة واضحة على إيمان العبد، تكون نوراً له في الدنيا والآخرة وتشفع له.
* لحم نَبَت من سُحْت: اللحم الذي نشأ وترعرع في جسد الإنسان من أكل المال الحرام.
* السُّحْت: هو المال الحرام بجميع أنواعه، من رشوة أو سرقة أو غش أو غصب أو تجارة محرمة.
* أولى بها: أي أحق بها وأخلق، فالجسد الذي تغذى بالحرام لا يليق به دخول الجنة.

### ثالثاً. المعنى الإجمالي للحديث
يوجه النبي ﷺ خطابه المباشر والملاطف لصحابيه كعب بن عجرة، فيرشده إلى ثلاثة أعمال جليلة هي من أعظم أسباب تكفير الذنوب والنجاة من النار والقرب من الله تعالى، وهي: الصوم، والصدقة، والصلاة.
ثم يتبع ذلك بتحذير شديد من خطورة أكل الحرام، مبيناً أن الجسد الذي نما وترعرع على المال الحرام لا يمكن أن يكون أهلاً لدخول الجنة، بل هو أحق بدخول النار، فالمؤمن مطالب ليس فقط بالعمل الصالح، بل وبالتقوى في مأكله ومشربه حتى يقبل عمله.

### رابعاً. الدروس المستفادة والفَوائد العِظَام
1- فضل الصوم: فهو لا يقتصر على كونه عبادة فحسب، بل هو جنة ووقاية:
* وقاية في الدنيا: يحمي الصائم من الوقوع في الشهوات المحرمة، ويقوّي إرادته، ويذكره بالله، فيكون حصناً منيعاً من المعاصي.
* وقاية في الآخرة: يكون الصوم شفيعاً لصاحبه يوم القيامة ويحجزه عن النار، كما جاء في الحديث: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ، كَجُنَّةِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْقِتَالِ».
2- فضل الصدقة: لها تأثير عجيب في محو الذنوب والسيئات، فكما أن الماء يطفئ النار المشتعلة، فكذلك الصدقة تطفئ نار الخطيئة وتُذهِب غضب الرب. وهي تشمل صدقة المال وصدقة التطوع، ويدخل فيها كل إحسان إلى الخلق.
3- منزلة الصلاة العظيمة: سواء وردت بلفظ "قربان" أو "برهان"، فإن المعنى عظيم:
* قربان: فهي أقرب الأعمال إلى الله تعالى، يتقرب بها العبد إلى ربه وينال محبته ورضاه.
* برهان: فهي الدليل القاطع على صدق إيمان العبد، وهي نور له في حياته، وحجة له عند ربه، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة.
4- التحذير الشديد من المال الحرام (السحت): هذا تحذير شديد اللهجة يبين خطورة أكل الحرام:
* العلاقة بين الطيب والعمـل: لا يقبل الله تعالى عملاً صالحاً إذا كان من مال خبيث. فالجسد الذي تغذى على الحرام لا تصلح له جنات النعيم.
* الحث على التحرّي في المأكل والمشرب: على المسلم أن يتحرى الحلال في كسبه وإنفاقه، وأن يسأل عن مصدر طعامه وماله، فهذا من صميم الدين.
* العاقبة الوخيمة: مصير من اعتاد على أكل الحرام هو النار – والعياذ بالله – كما أن الجنة محرمة على ذلك الجسد.
5- أسلوب النبي ﷺ التربوي: نلاحظ في الحديث تكرار النداء «يا كعب بن عجرة!» وهذا لأجل التأكيد على أهمية المعلومة ولفت انتباه السامع وتثبيت المعنى في قلبه.

---

خامساً:

خاتمة وتوصية
يجمع هذا الحديث بين الترغيب والترهيب؛ يرغبنا في عبادات عظيمة هي سبيل النجاة، ويحذرنا من معصية خفية (أكل الحرام) تهدم كل شيء.
فليحرص المسلم على هذه الأركان الثلاثة: صومٌ يصونه، وصدقة تطهِّره، وصلاة تقرِّبه من ربه. وليحذر كل الحذر من أن يدخل في جوفه لقمة حرام، فتكون حائلاً بينه وبين رضا ربه ودخول جنته.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.