صلى بي جبريل عند البيت مرتين فقال هذا وقت الأنبياء

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يفتح علينا أبواب فهم سنن نبيه ﷺ.
هذا الحديث العظيم رواه الإمام أحمد في مسنده، والإمام الترمذي في سننه، وغيرهما، عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وهو حديث صحيح. وهو من الأحاديث الأساسية التي تُبَيِّن أوقات الصلوات المفروضة وكيفية تحديدها.

---

أولاً. شرح مفردات الحديث:

● أمَّني جبريل: أي صلى بي جبريل عليه السلام إماماً، فأمَّني تعني "أقامني مأموماً خلفه".
● حين زالت الشمس: أي حين انتقلت الشمس من كبد السماء (منتصفها) ومالت toward الغروب، وهو بداية وقت الظهر.
● قدر الشِّراك: الشِّراك هو السير الذي يكون في النعل (الحذاء). والمقصود أن ظل كل شيء كان قصيراً جداً بقدر سير النعل.
● حين كان ظِلُّه مثله: أي حين صار طول ظل الشيء مساوياً لطوله الحقيقي بعد الزوال.
● حين أفطر الصائم: أي عند غروب الشمس، وهو الوقت الذي يفطر فيه الصائم.
● حين غاب الشفق: الشفق هو الحمرة التي تظهر في الأفق بعد غروب الشمس. وغيبوبتها تعني ذهابها، وهو بداية وقت العشاء.
● حين حرم الطعام والشراب على الصائم: أي عند طلوع الفجر الصادق، وهو الوقت الذي يبدأ فيه الصوم.
● حين كان ظِلُّه مثليه: أي حين صار طول ظل الشيء ضعف طوله الحقيقي.
● إلى ثلث الليل: أي أن وقت صلاة العشاء يمتد إلى ثلث الليل.
● فأَسفَر: أي أطال الصلاة حتى أسفر الصبح، أي直到 أضاء الصبح وانتشر النور.
● هذا وقت الأنبياء من قبلك: أي أن هذه الأوقات التي صلى فيها في اليوم الثاني هي الأوقات المفضلة التي كان يختارها الأنبياء للصلاة.
● والوقت ما بين هذين الوقتين: أي أن وقت كل صلاة يمتد من أول الوقت (الذي صلى فيه اليوم الأول) إلى آخر الوقت (الذي صلى فيه اليوم الثاني).

---

ثانياً. المعنى الإجمالي للحديث:

يخبرنا ابن عباس رضي الله عنهما أن المَلَك جبريل عليه السلام نزل إلى النبي ﷺ عند الكعبة ليعلمه أوقات الصلوات الخمس عملياً. ففي يومين متتاليين، صلى جبريل بالنبي ﷺ كل الصلوات في أول وقتها وفي آخر وقتها.
● في اليوم الأول: صلى به كل صلاة في أول وقتها المحدد.
● في اليوم الثاني: صلى به كل صلاة في آخر وقتها المفضَّل (ما عدا المغرب، فليس لها إلا وقت واحد قصير).
ثم بين جبريل عليه السلام أن الأوقات التي صلى فيها في اليوم الثاني (أي آخر الوقت) هي الأوقات التي كان يختارها الأنبياء للصلاة، ولكن الرخصة للمؤمنين أن يصلوا في أي وقت من الوقتين المسموح بهما لكل صلاة.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- بيان أوقات الصلوات بدقة: الحديث يحدد بداية ونهاية وقت كل صلاة بشكل عملي لا نظري، مما يزيل أي التباس.
● الظهر: يبدأ عندما تزول الشمس (تميل toward الغروب) وينتهي عندما يصير ظل كل شيء مثله.
● العصر: يبدأ عندما يصير ظل الشيء مثله، وينتهي عندما يصير ظله مثليه (وهذا آخر وقت الاختيار).
● المغرب: وقتها قصير، يبدأ بغروب الشمس مباشرة وينتهي بمغيب الشفق الأحمر في رأي جمهور العلماء.
● العشاء: يبدأ بمغيب الشفق الأحمر وينتهي بمنتصف الليل (وقت الجواز)، والأفضل أن تصلى قبل ثلث الليل.
● الفجر: يبدأ بطلوع الفجر الصادق وينتهي بطلوع الشمس.
2- التيسير على الأمة: قوله: «والوقت ما بين هذين الوقتين» فيه تيسير عظيم من الله تعالى على المسلمين، حيث يمكنهم أداء الصلاة في أي جزء من هذا الوقت الواسع حسب ظروفهم وقدرتهم.
3- فضل التبكير في الصلاة:رغم أن الأوقات واسعة، إلا أن الصلاة في أول وقتها (كما في اليوم الأول) هي الأفضل عملاً بحديث: «أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها».
4- مشروعية التعليم العملي: في هذا الحديث درس تربوي عظيم، حيث فضل جبريل عليه السلام تعليم النبي ﷺ أوقات الصلاة عملياً بالمشاهدة والفعْل over مجرد الإخبار النظري، مما يجعل المعلومة أوثق وأرسخ.
5- مكانة النبي ﷺ: أن الله تعالى أرسل إليه أمين الوحي جبريل ليعلمه الصلاة personally، مما يدل على عظم شأن الصلاة وأهميتها.

---

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

- الحديث أصل من أصول كتب الفقه، خاصة في "باب مواقيت الصلاة".
- الفقهاء استنبطوا من الحديث أن لكل صلاة:
● وقت فضيلة: وهو أول الوقت.
● وقت اختيار: يمتد إلى آخر الوقت المسموح به دون كراهة.
● وقت ضرورة: (للعصر مثلاً) وهو إلى غروب الشمس، لكن الصلاة فيه مع الإثم إذا أخرت بلا عذر.
- صلاة المغرب ليس لها إلا وقت واحد ضيق، لذا يجب المسارعة إلى أدائها فور الأذان.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من المحافظين على الصلوات في أوقاتها، وأن نقتدي بنبينا محمد ﷺ في جميع أقواله وأفعاله.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.