صم رمضان والذي يليه وكل أربعاء وخميس

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أهلاً بك أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يوفقنا جميعاً لفهم سنة نبيه ﷺ والعمل بها.
الحديث الذي ذكر: رُوي عن مسلم القرشي قال: سألت أو سئل النبيّ ﷺ عن صيام الدّهر، فقال: «إنّ لأهلك عليك حقًّا، صم رمضان، والذي يليه، وكلّ أربعاء وخميس، فإذا أنت قد صمت الدّهر».

### أولاً. تخريج الحديث ودرجته
هذا الحديث ضعيف الإسناد. رواه الإمام أحمد في "مسنده"، والإمام الطبراني في "المعجم الكبير"، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"، وغيرهم. وفي سنده راوٍ اسمه مسلم القرشي، وهو مجهول الحال (أي لم يوثقه علماء الجرح والتعديل)، كما أن في إسناده انقطاعاً. لذلك لا يحتج به من الناحية الفقهية، ولكننا نستطيع أن نستنبط منه الفوائد والدروس العامة التي لا تخالف أصول الشريعة.

### ثانياً. شرح المفردات
* صيام الدّهر: الصيام طوال أيام السنة دون انقطاع.
* لأهلك عليك حقًّا: الأهل هنا يشمل الزوجة والأولاد، وحقهم هو المأكل، المشرب، الملبس، المعاشرة بالمعروف، والرفق بهم وعدم إلحاق المشقة بهم.
* رمضان والذي يليه: يقصد صيام شهر رمضان، ثم صيام ستة أيام من شوال التي تليه مباشرة (صيام الست من شوال).
* كلّ أربعاء وخميس: صيام يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع.

### ثالثاً. شرح المعنى الإجمالي للحديث
يصور لنا هذا الحديث -ولو كان ضعيفاً- صورة رائعة لرحمة النبي ﷺ وتوازنه في التوجيه. فقد جاءه سائل يسأل عن عبادة عظيمة هي صيام جميع أيام السنة طمعاً في الأجر العظيم، فلم ينهه عنها مباشرة، بل وجهه توجيهاً حكيماً يجمع بين العبادة والحياة.
1- الاعتراف بالحقوق: بدأ ﷺ بتذكير السائل بأن له أهلاً (زوجة، أولاداً) لهم حقوق عليه، فلا يجوز له أن ينشغل بالعبادة على حساب هذه الحقوق الواجبة، فإرضاء الله يأتي أولاً بأداء الواجبات.
2- العبادة الموازنة: ثم أرشده ﷺ إلى طريق يحقق فيه أجر صيام الدهر كله من غير أن يضيع حق أهله أو يجهد نفسه.
3- الجمع بين الفرائض والنوافل: بين له أن أجر صيام الدهر يتحقق بصيام:
* رمضان: وهو الفريضة العظيمة التي وعد النبي ﷺ أن من صامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.
* ستة أيام من شوال: وهي السنة المؤكدة التي ورد في صحيح مسلم أن من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر. لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان = 10 أشهر، وستة أيام = شهرين، فيصير المجموع سنة كاملة.
* صيام الإثنين والخميس: وهما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله، ويستحب الصيام فيهما.
فمن جمع بين هذه العبادات، فقد نال أجراً عظيماً قريباً من أجر صيام الدهر، ولكن بطريقة مشروعة لا إفراط فيها ولا تفريط.

### رابعاً. الدروس المستفادة والفقه العملي
1- التوازن في الحياة الدينية: الإسلام دين الوسطية والاعتدال، فلا رهبانية تُضيع حقوق الأهل والجسد، ولا انغماس في الدنيا يضيع حق الله. خير الأمور أوسطها.
2- الحقوق قبل النوافل: لا قيمة للعبادة التي تؤدي إلى تضييع الواجبات. فحق الزوجة والأولاد واجب، والعبادة المستحبة لا يجوز أن تأتي على حساب الواجب.
3- حكمة النبي ﷺ التربوية: لم يقل النبي ﷺ للرجل "لا تصم" بل وجهه إلى بديل أفضل وأكثر نفعاً له ولمن حوله، مما يشجع النفس على الطاعة بدلاً من إثقالها بما لا تطيق.
4- سعة فضل الله تعالى: من رحمة الله تعالى أن جعل أبواب الأجر واسعة، ويسر لعباده الطاعات، فجعل القليل من العمل الدائم خيراً من الكثير المنقطع، وجعل في النوافل تعويضاً وتكميلاً للفرائض.
5- أهمية صيام النوافل: الحديث يشير إلى فضل الصيام بشكل عام، وفضل صيام الست من شوال وصيام الإثنين والخميس بشكل خاص، وهي سنن ثابتة في الأحاديث الصحيحة.

---

خامساً:

تنبيه مهم
بما أن الحديث ضعيف، فلا يُعتقد أن صيام هذه الأيام يعدل صيام الدهر حقيقةً بمجرد نية ذلك، ولكن الفضل العظيم لصيام رمضان والست من شوال ثابت في الحديث الصحيح، وهو الذي يعادل صيام الدهر. وجاء في أحاديث أخرى أن صوم ثلاثة أيام من كل شهر (أي البيض) كصيام الدهر. فهذه كلها أبواب من الخير يفتحها الله على عباده.
نسأل الله تعالى أن يتقبل منا الصيام والقيام، وأن يجعلنا من العابدين له حق عبادته على الوجه الذي يرضيه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.