أفلح أخو أبي القعيس يستأذن على عائشة بعد نزول الحجاب

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا حديث صحيح رواه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، وفيه دروس عظيمة وفوائد جليلة. سأشرحه لكم وفق النقاط المطلوبة:

---

1. شرح المفردات:

● أفلح: هو اسم رجل، وهو أخو أبي القُعَيْس من الرضاعة.
● أبو القُعَيْس: هو عبد الله بن أبي قيس، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
● يستأذن عليها: يطلب الإذن للدخول عليها.
● من الرضاعة: أي أن بينهما رضاع، حيث أرضعتهما امرأة واحدة، فصارت بينهما قرابة الرضاع التي تثبت بها الأحكام الشرعية.
● الحجاب: المقصود هنا آية الحجاب التي نزلت في سورة الأحزاب، والتي أمرت نساء النبي صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين بالحجاب وعدم مخاطبة الرجال الأجانب إلا من وراء حجاب.

---

2. شرح الحديث:

تخبرنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن أفلحًا (وهو عمها من الرضاعة) جاء يطلب الإذن للدخول عليها بعد نزول آية الحجاب، فامتنعت عن إجازته للدخول عليها؛ لأنها فهمت أن الحجاب يشمل جميع الرجال إلا المحارم بالنسب، ولم تكن تعلم أن المحارم بالرضاعة لهم نفس أحكام المحارم بالنسب في جواز الخلوة والنظر.
فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بامتناعها عن إجازة الدخول لأفلح، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تأذن له؛ لأنه عمها من الرضاعة، والرضاع يثبت به التحريم، فيجوز للرجل أن يدخل على امرأة من محارمه بالرضاع كما يدخل على محارمه بالنسب.

---

3. الدروس المستفادة منه:

● وجوب الاحتياط في أمر الدين: وهذا ظاهر في فعل عائشة رضي الله عنها، حيث امتنعت عن الإذن حتى تتأكد من الحكم الشرعي.
● الرضاع يثبت به التحريم: فمن أرضعته امرأة صار ولدًا لها، وأصبح أولادها إخوة له من الرضاع، ويحرم عليه ما يحرم على المحارم بالنسب.
● الرجوع إلى العلماء في المسائل الشرعية: حيث أن عائشة رضي الله عنها لم تتردد في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الحكم حين اشتبه عليها الأمر.
● التيسير ورفع الحرج: حيث بين النبي صلى الله عليه وسلم أن أفلحًا محرمٌ لعائشة بالرضاع، فلا حرج في دخوله عليها.
● الحجاب واجب على النساء: ولكن له استثناءات، منها المحارم بالنسب أو الرضاع.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- الحديث دليل على أن الرضاع المحرم هو ما كان خمس رضعات مشبعات في الحولين، كما هو مذهب الجمهور.
- فيه بيان لأدب عائشة رضي الله عنها وحشمتها، حيث امتنعت عن الإذن حتى تتأكد.
- يستفاد منه أن المسائل التي تشتبه على المرء يجب أن يعرضها على أهل العلم.
- الحديث من الأحاديث التي تبين سماحة الإسلام ويسره، ورفعه للحرج عن الأمة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.