لا تكذب على من أرضعتكما

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه، وهو حديث صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه مسائل فقهية مهمة تتعلق بالرضاع وأحكامه.

---

أولاً. شرح مفردات الحديث:

● امرأة سوداء: أي امرأة ذات بشرة سمراء أو سوداء، وليس في وصفها بالسواد تقليل من شأنها، بل هو مجرد وصف للهيئة.
● أرضعتكما: أي أرضعتك أنت والمرأة التي تزوجتها.
● أعرض: أي أعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنه، ولم يلتفت إليه في البداية.
● دعها عنك: أي اتركها واهجرها، أو اطلقها ولا تبقها في عصمتك.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يحكي الصحابي الجليل عقبة بن الحارث رضي الله عنه أنه تزوج امرأة، فجاءتهم امرأة سوداء وأخبرتهما أنها أرضعتهما together في الصغر، وبذلك أصبحت الزوجة أختاً له من الرضاع، وحرمت عليه. فذهب عقبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو له الأمر، ويؤكد أن المرأة كاذبة في دعواها. فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أول مرة، أعرض عنه، فذهب عقبة من جهة أخرى وأكد أنها كاذبة. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "كيف بها وقد زعمت أنها قد أرضعتكما؟ دعها عنك"، أي كيف تبقى معها وهي قد ادعت الرضاع؟ فطلقها عقبة.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والفقه في الحديث:

1- حرمة نكاح المرضعة أو الإخوة من الرضاع: الرضاع المحرم يثبت بشروط، ومنها أن يكون خمس رضعات مشبعات في الحولين، فإذا ثبت يحرم به ما يحرم بالنسب.
2- الاحتياط في أمور الدين: النبي صلى الله عليه وسلم أمر عقبة بفراق زوجته احتياطاً لدينه، حتى لو كان يظن كذب المرأة، لأن مسألة الرضاع من المسائل الخطيرة التي تترتب عليها أحكام المحرمية.
3- قبول دعوى الرضاع من المرأة الثقة: إذا ادعت امرأة ثقة أن هناك رضاعاً يترتب عليه تحريم، فإنه يُعمل بدعواها ويُحترم قولها؛ صوناً لأعراض المسلمين ودرءاً للشبهات.
4- التثبت في الأمور والابتعاد عن الشبهات: الحديث يدل على وجوب الابتعاد عن مواطن الشبهات، خاصة في المسائل المتعلقة بالأنساب والأحوال الشخصية.
5- عدم الالتفات إلى مجرد الشك بدون دليل: لكن في نفس الوقت، لا يُترك الأمر لمجرد الادعاء بدون بينة أو ثقة، بل لا بد من التحقق والاحتياط.

---

رابعاً. فوائد إضافية:

- هذا الحديث أصل في باب الاحتياط في مسائل الرضاع وتحريم النكاح بناء على الشبهة.
- وفيه أيضاً أدب الصحابة رضي الله عنهم في عرض مشاكلهم على النبي صلى الله عليه وسلم للفصل فيها.
- كما أن فيه بياناً لحكمة النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الأمور الحرجة بأسلوب حكيم.
أسأل الله أن يفقهنا في الدين، وأن يرزقنا العمل بما علمنا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.