أرضعيه حتى يدخل عليك

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا حديث صحيح رواه الإمام مسلم في صحيحه، وأخرجه أيضًا الإمام أحمد وغيره، وهو من الأحاديث التي تتعلق بأحكام الرضاعة وآثارها الشرعية. وإليك الشرح الوافي له على النحو التالي:

---

1. شرح المفردات:

● الأيفع: هو الغلام الذي قارب البلوغ ولم يبلغ بعد، أو هو الذي قد أشعر (نبت شعر بدنه) ولم يحتلم.
● ما أحب أن يدخل عليّ: أي لا أرغب في دخوله عليّ لما فيه من الخلوة المحرمة.
● أسوة: قدوة وحجة يُقتدى بها.
● أرضعيه: أي أجعليه يرضع من لبنك حتى يحرم عليك بالرضاعة.
● شيء: هنا بمعنى غيرة أو شك أو تهمة، أي أن أبا حذيفة يتهمه أو يغار منه.

---

2. شرح الحديث:

الحديث يحكي قصة امرأتين من أمهات المؤمنين، وهما أم سلمة وعائشة رضي الله عنهما، حيث قالت أم سلمة لعائشة: إنه يدخل عليك غلام قد قارب البلوغ (الأيفع) ولا أحب أن يدخل عليّ مثلُه لما في ذلك من الخلوة المحرمة بين الرجل الأجنبي والمرأة. فردت عليها عائشة رضي الله عنها مستدلةً بقصة امرأة أبي حذيفة (وهي سهلة بنت سهيل رضي الله عنها) التي شكت إلى رسول الله ﷺ أن سالمًا (مولى أبي حذيفة) كان يدخل عليها وهي تراه أجنبيًا عنها، وكان أبو حذيفة يغار منه أو يتهمه. فأمرها النبي ﷺ أن تُرضعه حتى يصير محرمًا لها بحكم الرضاعة، فيجوز له دخولها ورؤيتها.
والحكمة من ذلك أن الرضاعة تحرّم كما يحرم النسب، فإذا أرضعت المرأة ولدًا غيرها خمس رضعات مشبعات أصبح محرمًا لها، ويجوز له الخلوة بها والدخول عليها كأبنائها من الصلب.

---

3. الدروس المستفادة منه:

● جواز إرضاع الكبير: الحديث دليل على جواز إرضاع الكبير إذا تحققت شروط الرضاعة المحرِّمة (وهي خمس رضعات معلومات في الحولين)، وهذا مذهب الجمهور من أهل العلم، خلافًا لمن قال بعدم جوازه.
● الاستدلال بالسنة: رد عائشة على أم سلمة يدل على وجوب الاقتداء برسول الله ﷺ والأخذ بسنته في حل المشكلات.
● سد الذرائع إلى الفتنة: شرع الإسلام الرضاعة كوسيلة لسد باب الفتنة والخلوة المحرمة بين الرجال والنساء الأجانب.
● حكمة الشرع ومرونته: الشرع الإسلامي يراعي الظروف الاجتماعية ويقدم حلولاً عملية تمنع الوقوع في المحرمات.
● غيرة الرجال على أهليهم: غيرة أبي حذيفة على امرأته تدل على مشروعية الغيرة على المحارم، وهي من خصال الإيمان.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أصل في مسألة "إرضاع الكبير"، وقد اختلف العلماء في العمل به: فجمهور العلماء (الشافعية والمالكية والحنابلة) على جوازه إذا وقعت الرضاعة بالشروط المعتبرة، بينما ذهب أبو حنيفة وبعض العلماء إلى أن الرضاعة المحرِّمة خاصة بالصغير دون الكبير. والراجح هو قول الجمهور لقوة الدليل.
- قول النبي ﷺ: "أرضعيه" أمرٌ للاستحباب والحل، وليس للوجوب.
- سالم المذكور في الحديث هو سالم مولى أبي حذيفة، وكان من كبار التابعين ومن أهل العلم والصلاح.
- استدلت عائشة رضي الله عنها بهذه القصة على جواز دخول الغلمان الذين أرضعتهم المرأة، حتى لو كانوا كبارًا، إذا تحققت الرضاعة المحرمة.

أسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين، وأن يردنا إلى سنن نبيه ردًا جميلاً، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.