يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن ينفعنا بما ندرس من سنة نبيه ﷺ.
الحديث الشريف:
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قيل للنبي ﷺ: ألا تتزوج ابنة حمزة؟ قال: «إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ». وفي رواية أخرى: «وَإِنَّهُ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ».

---

1. شرح المفردات:

● قيل للنبي ﷺ: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم أو عُرِض عليه.
● أَلا تَتَّزِجُ: ألا تتخذ زوجة.
● ابْنَةَ حَمْزَةَ: هي أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب، عم النبي ﷺ.
● مِنَ الرَّضاعَةِ: بسبب شرب اللبن من نفس المرضعة.
● يَحْرُمُ: يُمنع ويُحظر.
● مِنَ النَّسَبِ: بسبب القرابة والصلب.

---

2. شرح الحديث:

يخبرنا الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن بعض الناس اقترحوا على النبي ﷺ أن يتزوج أمامة بنت حمزة رضي الله عنه، عم النبي ﷺ والذي استشهد في غزوة أحد.
فأجابهم النبي ﷺ بأن هذا الزواج لا يجوز، والسبب أن هي ابنة أخيه من الرضاعة. فالنبي ﷺ وحمزة رضي الله عنه قد رضعا من امرأة واحدة هي حليمة السعدية، مرضعة النبي ﷺ، حيث أرضعت حمزة أيضًا لفترة. وبذلك أصبحا أخوين من الرضاعة.
وبناءً على هذه الأخوة الرضاعية، أصبحت ابنة حمزة (أمامة) بمثابة ابنة الأخ للنبي ﷺ من الرضاعة، وتحرم عليه تحريم بنات الأخ من النسب.
وفي الرواية الأخرى، يوضح النبي ﷺ الحكمة العامة والتشريع الكلي خلف هذا الحكم، وهو أن الرضاعة تثبت حرمة النسب. فكل من يحرم بالنسب (كالأم، والأخت، والبنت، والعمة، والخالة، وبنت الأخ، وبنت الأخت) فإنه يحرم بالرضاعة أيضًا. فمن أرضعتك امرأة أصبحت أمك من الرضاعة، وأولادها إخوتك وأخواتك من الرضاعة، وهكذا.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- عِظَم شأن الرضاعة في الإسلام: جعل الإسلام الرضاعة سببًا قويًا لتحريم الزواج، مثل النسب تمامًا، تأكيدًا على قدسية هذه العلاقة وتأثيرها في بناء الأسرة والمجتمع.
2- الحكمة من التحريم: من حكم تحريم الزواج بالمُرضَع منهن صيانة الأنساب، وحماية الأسر من الاختلاط، والمحافظة على العواطف والأخوة التي تنشأ من الرضاعة، فلا تتحول إلى علاقة زوجية.
3- حرص النبي ﷺ على بيان الأحكام: لم يكتفِ النبي ﷺ بالرفض فقط، بل بين السبب الشرعي ليعلم الناس حكم الله تعالى في مسألة الرضاعة.
4- الاستفتاح والعرض على العلماء: الحديث يدل على أن الصحابة كانوا يعرضون على النبي ﷺ ما يخطر ببالهم من أمور ليعلموا حكم الله فيها، وهذا هو منهج المسلم الحقيقي.
5- التثبت في أمور النكاح: يجب على المسلم أن يتثبت من صلات القرابة والنسب والرضاعة قبل الإقدام على الخطبة أو الزواج، تجنبًا للوقوع في المحرمات.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

● أمامة بنت حمزة: بعد استشهاد أبيها حمزة، كفلها النبي ﷺ ثم كفلها بعده عمه العباس أو جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم.
● عدد الرضعات المحرِّمة: ذهب جمهور العلماء (من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة) إلى أن الرضاعة المحرمة هي ما كانت خمس رضعات مشبعات أو أكثر في الحولين، وهذا مأخوذ من حديث عائشة رضي الله عنها.
● الفرق بين الرضاعة والنسب: الرضاعة توجب التحريم ولكنها لا توجب الميراث ولا النفقة، بخلاف النسب.
● التطبيق المعاصر: يجب على المسلمين اليوم التنبه لهذه المسألة، خاصة مع وجود بنوك الحليب، فالأطفال الذين يرضعون من امرأة واحدة يصبحون إخوة بالرضاعة ويحرم عليهم التزاوج فيما بينهم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.