يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث العظيم رواه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهو من الأحاديث التي تُبنى عليها أحكام عظيمة في الإسلام، خاصة فيما يتعلق بمسألة الرضاع وأحكامه.

---

أولاً. شرح المفردات:

● يُحرَّم: أي يُصبح محرماً، بمعنى أن الشخص يصير محرماً على الآخر بحيث لا يجوز الزواج بينهما، وتثبت بينهما أحكام المحرمية الأخرى.
● من الرضاعة: أي بسبب الرضاعة الشرعية، وهي أن يرضع الطفل من امرأة خمس رضعات مشبعات في الحولين.
● ما يُحرَّم من الولادة: أي نفس المحارم الذين يحرمون على الشخص بسبب صلة النسب (الولادة)، مثل الأم والأخت والخالة والعمة... إلخ.

---

ثانياً. شرح الحديث:

معنى الحديث النبوي الشريف أن الرضاعة الشرعية تُثبت نفس أنواع الحرمة التي تثبتها صلة النسب (الولادة). فكما أن للإنسان أمّاً وأخوات وبنات من صلب أبيه يحرم عليه الزواج بهن، فإن له أيضاً من يحرم عليه بالرضاعة.
فالمرأة التي أرضعت طفلاً تصير أماً له من الرضاعة، يحرم عليه الزواج بها.
وبناتها من زوجها (أي اللاتي أرضعتهن هي أيضاً) يصبحن أخوات له من الرضاعة، يحرم عليه الزواج بهن.
وأبناء زوجها (الذين أرضعتهم) يصبحون إخوة له من الرضاعة.
وهكذا، فكل قريب من المرأة المرضعة يصبح محرماً للرضيع، بنفس درجة قرابة النسب.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والأحكام:

1- عظم شأن الرضاعة: جعل الإسلام الرضاعة سبباً قوياً لتأسيس روابط أسرية واجتماعية، تُثبت حرمة دائمة، مما يدل على مكانتها وأهميتها.
2- حكمة التشريع: في هذا التشريع حكمة عظيمة، منها صيانة الأنساب ومنع اختلاطها، وحفظ الأسر من التفسخ، حيث يصير أبناء المرضعة إخوة للرضيع، فينشأون على التعارف والتآلف لا على الشهوة والابتذال.
3- ضابط التحريم: الذي يحرم بالرضاعة هو من كان في حكم ولد المرأة المرضعة، أي من أرضعته هي شخصياً، أو من أرضعته امرأة أخرى بسببها (كابنتها التي أرضعتها هي). أما من أرضعته امرأة لا صلة لها بمرضعته، فلا تثبت بينهما محرمية.
4- شروط التحريم بالرضاعة: يشترط العلماء لثبوت التحريم بالرضاعة عدة شروط، أهمها:
- أن تكون الرضاعة خمس رضعات مشبعات، أي أن يملأ اللبن جوف الطفل في كل مرة. وهذا مذهب الجمهور.
- أن تكون الرضاعة في زمن الرضاع، وهو حولان (سنتان) كاملتان من ولادة الطفل.

---

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

- المحرمية بالرضاعة دائمة لا تنقطع، كالمحرمية بالنسب تماماً.
- تترتب على هذه المحرمية جميع الأحكام، مثل جواز الخلوة، والسفر، والنظر، وعدم وجوب الحجاب بينهم.
- هذا الحديث أصل من الأصول الكبرى في باب الرضاع، وهو متفق على صحته والعمل به بين أهل العلم.
نسأل الله أن يفقهنا في ديننا، وأن يرزقنا العمل بما علمنا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.