النَّبِيّ ﷺ بسط رداءه لأمه التي أرضعته

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث النافع الذي رواه أبو الطفيل رضي الله عنه:

---

نص الحديث:

روي عن أبي الطفيل أن النبي ﷺ كان بالجعرانة يقسم لحمًا، وأنا يومئذ غلام أحمل عظم الجزور. قال: فأقبلت امرأة بدوية، فلما دنت من النبي ﷺ بسط لها رداءَه، فجلست عليه. فسألت من هذه؟ قالوا: أمه التي أرضعته. (يقصد: حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية).

---

1. شرح المفردات:

● الجعرانة: مكان بين مكة والطائف، كان النبي ﷺ يقسم فيه غنائم غزوة حنين.
● يقسم لحمًا: كان يوزع لحوم الهدي أو الصدقات على الناس.
● عظم الجزور: عظم البعير، وكان الغلام الصغير يحمله مما يدل على قوته ونشاطه.
● بدوية: امرأة من أهل البادية، معروفة بصلابتها وعدم ترفعها.
● بسط لها رداءه: مد ثوبه على الأرض لتجلس عليه تكرمًا لها.
● أمه التي أرضعته: هي حليمة السعدية، المرضعة التي أرضعته ﷺ في بني سعد.

---

2. شرح الحديث:

يصور لنا هذا الحديث المشهد النبوي الجميل في مكان يسمى "الجعرانة"، حيث كان النبي ﷺ يقوم بتوزيع اللحم على الناس بعد غزوة حنين. وكان أبو الطفيل - وهو غلام صغير آنذاك - حاضرًا يحمل عظمًا كبيرًا من جزور (بعير)، مما يدل على مشاركة الصغار في أعمال الخير وخدمة المجتمع.
وفي هذا الجو العام، تظهر امرأة من البادية (حليمة السعدية) مقبلة على النبي ﷺ. فلما اقتربت منه، قام ﷺ بأدب رفيع وخلق عظيم؛ حيث بسط رداءه الشريف على الأرض لتجلس عليه. وهذا فعل يدل على غاية التكريم والإجلال لها.
وقد تعجب أبو الطفيل من هذا التصرف النبوي الكريم، فسأل من حوله: من هذه المرأة التي قام النبي ﷺ لها هذا المقام؟ فأجابوه: إنها حليمة السعدية، المرأة التي أرضعته ﷺ في صغره.

---

3. الدروس المستفادة والعبر:

1- بر الوالدين ومن في حكمهما: فقد أكرم النبي ﷺ مرضعه وحاضنته، مع أنها ليست أمه الحقيقية، مما يدل على عظم حق المرضعة والحاضنة. وقد قال الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا} [الأحقاف: 15].
2- التواضع ولين الجانب: مع أن النبي ﷺ هو قائد الأمة وأعلى الناس مكانة، إلا أنه تواضع لتلك المرأة العجوز البدوية، وبسط لها رداءه لتجلس عليه.
3- الإحسان إلى من أحسن إليك: وهذا من كمال الشكر وحسن الخلق. قال ﷺ: "مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللهَ" (رواه الترمذي وهو حسن).
4- تكريم الكبار والضعفاء: المرأة كانت كبيرة في السن، وقام النبي ﷺ بإكرامها وإجلاسها في مكان مناسب.
5- الاعتراف بالجميل ولو بعد سنوات: فقد مرت سنوات طويلة منذ أن أرضعته حليمة، ومع ذلك لم ينسَ لها ذلك الجميل.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

● حليمة السعدية هي مرضعة النبي ﷺ، التي أخذته من أمه آمنة بنت وهب لترضعه في البادية حسب عادة أهل مكة آنذاك.
- بقيت حليمة على صلتها بالنبي ﷺ حتى بعد بعثته، وكانت تحبه وتكن له كل تقدير.
- هذا الموقف يدل على أن النبي ﷺ كان يقدّر العاطفة والأمومة، حتى لو كانت من غير الأم الحقيقية.
- يستفاد من الحديث أيضًا أهمية رضاعة المحرم، حيث إن حليمة أصبحت أمًا له من الرضاع، وحرمت عليه بناتها اللاتي أرضعن معه.

---

الخلاصة:

هذا الحديث يمثل نموذجًا رفيعًا من نماذج الخلق النبوي العظيم، حيث يجمع بين البر والتواضع والشكر والإحسان. وهو درس عملي في كيفية معاملة من قدموا لنا الخير ولو في مرحلة الطفولة.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.