لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا شرح للحديث النبوي الشريف:
الحديث:
عن عبد الله بن الزبير أن رسول الله ﷺ قال: «لا رضاع إِلَّا ما فتقَ الأمعاءَ».
رواه الدارقطني وغيره، وحسنه بعض أهل العلم.

---

1. شرح المفردات:

● لا رضاع: أي لا يُعتبر الرضاع شرعًا مؤثرًا في إيجاب المحرمية (أي الذي يحرم به النكاح ويجعل بين المرتضعين أخوة).
● إلا: أداة استثناء، تفيد الحصر.
● ما فتق الأمعاء: أي ما دخل إلى الجوف ووصل إلى الأمعاء، والمقصود به اللبن الذي يشبع الطفل ويغذيه.

---

2. شرح الحديث:

معنى الحديث أن الرضاع الذي يُحرِّم (أي يوجب حرمة المصاهرة ويجعل بين المرتضعين أخوة كأخوة النسب) هو الذي يكون كافيًا لتغذية الطفل وملء بطنه، بحيث يصل اللبن إلى أمعائه ويشبعه، فينشأ عليه جسمه.
والمراد بـ "فتق الأمعاء" ليس حقيقة فتحها، بل هو كناية عن وصول اللبن إلى جوف الطفل وحصول الشبع به، بحيث يكون له تأثير في تغذيته ونموه.
وهذا الحديث يؤكد أن الرضاع المحرِّم هو الذي يكون في زمن الرضاعة (قبل الفطام) ويكون كافيًا للتغذية، وليس مجرد مصة أو جرعة قليلة لا تأثير لها.

---

3. الدروس المستفادة منه:

- أن الشريعة الإسلامية دقيقة في تحديد الأحكام، خاصة ما يتعلق بالأنساب والمحرميات.
- أن الرضاع المحرِّم له شروط، منها أن يكون في الصغر (قبل الفطام) وأن يكون خمس رضعات مشبعات أو أكثر على خلاف بين العلماء، وهذا الحديث يؤكد معنى "المشبع".
- الحكمة من اشتراط ذلك: أن يكون الرضاع مؤثرًا في تكوين جسم الطفل ودمه، فيثبت بذلك حكم التبنّي بالرضاع.
- التحذير من التساهل في مسألة الرضاع، لأن بعض الناس قد يتساهلون في إثباته مما يؤدي إلى مشاكل في أنسابهم وأحكامهم.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- اختلف العلماء في عدد الرضعات المحرِّمة، فمنهم من قال: خمس رضعات معلومات (كما في حديث عائشة)، ومنهم من قال: إن القليل الكثير إذا كان مشبعًا، وهذا الحديث يؤيد المعنى الثاني.
- المقصود بـ "فتق الأمعاء" هو وصول اللبن إلى الجوف، وليس مجرد مص الثدي دون بلع.
- هذا الحديث يعضد القول بأن الرضاع القليل لا يُحرِّم إذا لم يكن مشبعًا، خلافًا لمن قال بتحريم القليل.
- ينبغي للأسرة أن تنتبه إلى مسألة الرضاع، خاصة عند استرضاع الأطفال، حتى لا تدخل محارم بسبب رضاعة غير محرِّمة.

أسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.