لا تحرم الإملاجة والإملاجتان

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث النافع:

---

الحديث:

عن أم الفضل قالت: دخل أعرابي على نبي الله ﷺ وهو في بيتي. فقال: يا نبي الله! إني كانت لي امرأة فتزوجت عليها أخرى. فزعمت امرأتي الأولى أنها أرضعت امرأتي الحديثى رضعة أو رضعتين. فقال نبي الله ﷺ: «لا تحرم الإملاجة والإملاجتان».

---

1. شرح المفردات:

● الأعرابي: هو من سكان البادية، المعروف بفصاحته وصراحته.
● امرأة: أي زوجة.
● الحُدْثَى: الجديدة، أي الزوجة الثانية.
● الإملاجة والإملاجتان: الإملاجة هي الرضعة الواحدة، والإملاجتان هما الرضعتان. والمقصود بهما الرضعة القليلة التي لا تشبع الطفل.

---

2. شرح الحديث:

جاء رجل من البادية إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم الفضل (وهي لبابة بنت الحارث، أم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما)، وشكا له أن زوجته الأولى ادعت أنها أرضعت زوجته الجديدة (الحديثى) رضعة أو رضعتين. والسؤال هنا: هل هذه الرضعة أو الرضعتان تُحرّم الزوجة الثانية على الزوج؟ لأن الرضاع يحرم ما يحرم من النسب، فإذا أرضعت المرأة طفلة أخرى صارت هذه الطفلة كبنتها من الرضاع، فتحرم على زوجها إذا كبرت.
فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تحرم الإملاجة والإملاجتان»، أي أن الرضعة الواحدة أو الرضعتين لا تسبب التحريم، لأن التحريم يحتاج إلى رضاع كامل ومعروف، وهو خمس رضعات مشبعات كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها: "كان فيما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن" (رواه مسلم). فالمعتمد أن التحريم يكون بخمس رضعات مشبعات.
فالحديث يدل على أن الرضعة القليلة التي لا تشبع لا تُحرّم، وهذا من رحمة الله تعالى وتيسيره على العباد، لئلا يضيق الناس في مسألة الرضاع.

---

3. الدروس المستفادة:

● التيسير في الدين: الإسلام دين يسر لا عسر، وهذا الحديث نموذج للتيسير ورفع الحرج عن الناس.
● الحكمة من مشروعية الرضاع المحرم: التحريم بالرضاع لوجود حكمة تشبه النسب، وهي تنشئة الطفل على لبن امرأة معينة، فيصير كولدها، وهذا لا يتحقق بالرضعة القليلة.
● الرد على الشبهات: بعض الناس قد يبالغ في مسألة الرضاع، فجاء الحديث ليبين الضابط الشرعي.
● أهمية الفتوى من العالم: الأعرابي سأل النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، مما يدل على وجوب الرجوع إلى أهل العلم في المسائل الشرعية.

---

4. معلومات إضافية:

- هذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه، وهو من الأحاديث الصحيحة المتعلقة بأحكام الرضاع.
- اتفق الفقهاء على أن الرضاع المحرم هو ما كان خمس رضعات مشبعات في الحولين، وهذا مذهب الجمهور.
- المسألة مهمة في باب النكاح والأحوال الشخصية، لأن الرضاع يثبت به حرمة المصاهرة، فيحرم على الرجل أن يتزوج من أرضعته زوجته أو أرضعته أمه أو أخته من الرضاع etc.
نسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.