يَحرُم من الرضاعة ما يَحرُم من الولادة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا شرح للحديث النبوي الشريف الذي روتْه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:

---

الحديث:

عن عائشة أم المؤمنين قالت: جاء عمي من الرضاعة يستأذن عليّ، فأبيتُ أن آذن له عليّ، حتى أسأل رسول الله ﷺ عن ذلك. فجاء رسول الله ﷺ فسألته عن ذلك. فقال: «إنه عمك فأذني له» قالت: فقلت: يا رسول الله، إنما أرْضَعتْني المرأةُ ولم يُرضِعْني الرجل. فقال: «إنه عمك فليَلِج عليك».
قالت عائشة: وذلك بعد ما ضرب علينا الحجاب.
وقالت عائشة: يَحرُم من الرضاعة ما يَحرُم من الولادة.

---

1. شرح المفردات:

● عمي من الرضاعة: أي أخو المرأة التي أرضعتْ عائشة، فيصبح عمًّا لها بسبب الرضاعة.
● يستأذن عليّ: يطلب الإذن للدخول عليها.
● أبيتُ: رفضتُ وأعرضتُ.
● فليَلِج عليك: فليدخل عليك (من الولوج، أي الدخول).
● ضرب علينا الحجاب: أي نزل تشريع الحجاب وفرضت العورة والاحتشام.
● يَحرُم من الرضاعة ما يَحرُم من الولادة: أي أن المحرمات بالنسب (من الولادة) هنَّ نفسُهن المحرمات بالرضاعة.

---

2. شرح الحديث:

روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن أخا المرأة التي أرضعتها (أي عمها من الرضاعة) جاء يطلب الإذن للدخول عليها بعد نزول آية الحجاب، فامتنعت عن إدخاله حتى تستفتي رسول الله ﷺ في حكم ذلك.
فلما جاء النبي ﷺ سألته، فأخبرها أن هذا الرجل عمها من الرضاعة، فيجوز له الدخول عليها كما يدخل العم النسبي.
لكن عائشة استشكلت الأمر، لأن الذي أرضعها هو المرأة (أخت هذا الرجل) وليس الرجل نفسه، فكيف يصبح عمًا لها؟
فأكد لها النبي ﷺ أن حكم الرضاعة يثبت للقريب من جهة المرضعة كما يثبت للمرضعة نفسها، فقال: «إنه عمك فليَلِج عليك»، أي فليدخل عليك لأنه محرم لك.
ثم بينت عائشة أن هذا الحادث حدث بعد فرض الحجاب، مما يدل على أن المسألة تتعلق ببيان المحارم الذين يجوز لهم الدخول على المرأة بدون خلوة محرمة أو بدون تشديد في الحجاب.
وختمت بقاعدة فقهية عظيمة: «يَحرُم من الرضاعة ما يَحرُم من الولادة»، أي أن الرضاعة تثبت بها نفس المحرميات التي تثبت بالنسب، فمن كانت محرماً بالنسب (كالأم، الأخت، العمّة، الخالة، بنت الأخ، etc.) فهي محرّم بالرضاعة أيضاً.

---

3. الدروس المستفادة منه:

● الرضاعة تثبت الحرمة: فمن أرضعت امرأةٌ طفلاً، فإنه يصير ابناً لها، ويصبح أولادها إخوة له، وأخوها عمًّا له، etc.
● الاستفتاء في أمور الدين: وجوب سؤال أهل العلم في المسائل المشكلة، كما فعلت عائشة رضي الله عنها.
● الحكمة من تشريع المحرمية بالرضاعة: صيانة الأعراض ومنع الاختلاط المحرم.
● التأكيد على أن الرضاعة تحرم كما يحرم النسب: وهذا أصل عظيم في باب الرضاع.
● الاحتياط في أمر النساء والدخول عليهن: خاصة بعد فرض الحجاب.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أصل في باب الرضاع ومحرميته، وهو متفق عليه (أخرجه البخاري ومسلم).
- عدد الرضعات المحرِّمة: ذهب جمهور العلماء (ومنهم الأئمة الأربعة) إلى أن الرضعة الواحدة لا تحرم، بل لا بد من خمس رضعات مشبعات أو أكثر، كما في رواية مسلم: «لا تحرم المصة ولا المصتان».
- المحرم من الرضاعة يحل له ما يحل للمحرم بالنسب من النظر والخلوة وغير ذلك، بشرط ألا يكون هناك شبهة أو فتنة.
- هذا الحديث يرد على من أنكر تحريم الرضاعة أو قلل من شأنها، فهو نص صريح في ثبوت حرمة الرضاع.

أسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين، وأن يوفقنا لاتباع سنة نبيه ﷺ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.